مخابز ذات طابع إغاثي في كفرنبل

هزاع عدنان الهزاع

(كفرنبل، سوريا) – قبل حوالي شهرين، في الحي الشرقي من كفرنبل، تجمع صباحاً حوالي 50 شخصاً، أمام دكان عصام الداني (48 عاماً)، وهو صاحب رخصة لبيع الخبز الحكومي، دام التجمع قرابة الساعتين، ثم انفض بعد أن أخبر عصام المشاركين في التجمع أن المخبز الحكومي لم يخبز اليوم. وتكرر المشهد في اليومين التاليين، وما زال يتكرر في معظم الأيام، في أحياء وقرى الريف الغربي لمعرة النعمان.

مواطنون يصطفون أمام مخبز تديره "جمعية الهدى الخيرية - يوتيوب "
مواطنون يصطفون أمام مخبز تديره “جمعية الهدى الخيرية” – يوتيوب

الريف الغربي لمعرة النعمان، والذي يزيد عدد سكانه على المئة وعشرين ألف نسمة، كان يعتمد على المخبز الآلي الحكومي في كفرنبل ، والذي أصبح منذ أكثر من سنة، عاجزاً عن تأمين الخبز.

يخضع هذا الريف لسيطرة أكثر من ثماني مجموعات من المعارضة المسلحة، بعضها مستقل، مثل “صقور الشام”، و”فجر الإسلام”، و”جبهة النصرة”، وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وبعضها تابع للـ”جيش الحر”، مثل “شهداء سوريا”، و”فرسان الحق”، وبيارق الحرية، و”لواء 15 آذار”.

يرد موظف في مخبز كفرنبل الآلي الحكومي، فضل عدم ذكر اسمه، سبب العجز عن تأمين الخبز إلى سيطرة مسلحي عشائر الريف الشرقي لمعرة النعمان، منذ أكثر من سنة، على صوامع الحبوب في قرية سنجار، التي تبعد عن كفرنبل حوالي 35 كيلومتر شرقاً. ويقول الموظف: “امتنع هؤلاء المسلحون عن إرسال حصة مخبزنا من القمح إلى مطاحن سراقب، والتي كانت بدورها ترسلها إلينا بعد طحنها”. لافتاً إلى أن هذا المخبز كان يخبز قبل الأزمة حوالي 27 طناً من الطحين يومياً.

مسؤول رفيع في إدارة الصوامع التابعة للحكومة، رفض ذكر اسمه، ذكر وجود مسعى لتأمين الطحين من “الائتلاف الوطني” المعارض، إلا أن هذه الخطوة تعقدت بسبب خلافات بين مسلحي العشائر من جهة، وكتيبتي “صقور الشام” و”أحرار الشام” من جهة أخرى.

لا توجد لدى المجلس المحلي في كفرنبل، التابع للائتلاف الوطني المعارض، خطة لتأمين الخبز في الوقت الحالي، بحسب رئيس المجلس المهندس الزراعي خالد الخطيب (45 عاماً). ويتحدث الخطيب عن مفاوضات مع المسلحين الذين يسيطرون على صوامع سنجار للحبوب من أجل الحصول على حصة مخبز كفرنبل الآلي الحكومي، أو على جزء منها. ويقول: “تعتمد المنطقة بشكل أساسي الآن على مطحنة صنائع المعروف، وعلى المخابز المدعومة من قبل هذه المطحنة”.

وحيد العلوش (31 عاماً) أحد النشطاء العشرة الذين تتكون منهم “مجموعة صنائع المعروف” العاملة في المجال الإغاثي التي أنشأت هذه المطحنة البديلة قبل نحو سنة يقول: “نتيجة الانقطاع المتكرر للطحين، وجدنا أنفسنا مجبرين على إيجاد هذه المطحنة”.

ويوضح رئيس “مجموعة صنائع المعروف” حمزة الهزاع (30 عاماً) أن هذه المطحنة، وقبل حوالي ثمانية أشهر، حصلت على دعم من الحكومة الفرنسية، بثلاثين ألف يورو، لتتحول إلى مطحنة قادرة على تأمين حوالي نصف حاجة الريف الغربي لمعرة النعمان إلى الطحين. وأشار الهزاع إلى أن هذه المطحنة تتلقى بعض الدعم من “هيئة الشام الإسلامية”، ومن أفراد فضل عدم ذكر اسم أي منهم. وأضاف: “كلما زاد الدعم كلما انخفض سعر الطحين، والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض سعر الخبز”.

تشتري هذه المطحنة القمح من السوق بحوالي خمس وثلاثين ليرة سورية للكيلوغرام الواحد. بحسب محاسب هذه المطحنة شادي الشاكر (32 عاماً)، الذي أضاف: “نبيع كيلو الطحين بثلاثين ليرة، أي بأقل من سعر التكلفة بحوالي خمس عشرة ليرة”.

وأوضح الشاكر بأن هذه المطحنة تنتج حوالي خمسة عشر طناً من الطحين يومياً، تباع لثلاثة مخابز خاصة ذات طابع إغاثي وهي مخبز “جمعية الهدى الخيرية” في مدينة كفرنبل، ومخبز قرية جبالا المدعوم من قبل “مؤسسة الخير الإغاثية”، ومخبز قرية حاس المستثمر من قبل “إغاثة قرية حاس”.

وأوضح الشاكر بأن مطحنته منحازة لهذه المخابز ذات الطابع الإغاثي، ولم تتعامل حتى الآن مع مخابز أخرى، لأنها غير قادرة على ذلك. وأضاف: “حتى بالنسبة لهذه المخابز لا يمكن للمطحنة أن تمنحها الكميات التي تطلبها، ولكن على الأقل تمنحها ستين بالمئة من حاجتها للطحين”.

وأشار الشاكر إلى أن هذه المطحنة أوجدت أكثر من خمس وثلاثين فرصة عمل.

مدير مخبز قرية “جبالا” ياسين الياسين (35 عاماً) أوضح بأن التكلفة الحقيقية لربطة الخبز البالغ وزنها حوالي كيلو ومئة غرام تفوق السبعين ليرة، ولكن بسبب دعم مطحنة مجموعة صنائع المعروف تنخفض هذه التكلفة إلى حوالي تسع وأربعين ليرة سورية. وأضاف: “لكننا نبيعها بخمس وعشرين ليرة سورية فقط، لأن هذا المخبز مدعوم كذلك من قبل مؤسسة الخير الإغاثية”.

أما مدير “جمعية الهدى الخيرية” في كفرنبل الشيخ إبراهيم القاسم (33 عام)، ومدير مخبز حاس حسان الخلف (31 عاماً)، فيقدران تكلفة الربطة في مخبزيهما المدعومين من مطحنة صنائع المعروف، بتسع وأربعين ليرة سورية تقريباً. مخبز جمعية الهدى الخيرية يبيع ربطة الخبز بخمسين ليرة سورية، وإذا حصلت أرباح فتعود لصندوق الجمعية التي ترعى الأيتام،. أما مخبز حاس فيبيعها بخمس وأربعين ليرة سورية، وتتحمل إغاثة حاس الفرق في الأسعار.

 بالإضافة إلى المخابز ذات الطابع الإغاثي توجد في الريف الغربي لمعرة النعمان ثلاثة مخابز خاصة أخرى، ولكن دورها ثانوي، وهي تعتمد على الطحين الحكومي الذي نادراً ما يصلها في هذه الأيام، أو على طحين السوق المرتفع الثمن نسبياً (أكثر من ستين ليرة سورية للكيلوغرام الواحد).

يضاف إلى ذلك اعتماد بعض الأهالي على خبز التنور الذي ينتجوه في منازلهم، بواسطة طحين السوق، أو الطحين الذي توزعه المنظمات الإغاثية.

يجمع من التقاهم مراسل موقع “دماسكوس بيورو” على أهمية الدور الذي تلعبه مادة المازوت في رفع تكلفة إنتاج الطحين حيث يصل أحيانا سعر الليتر الواحد إلى 150 ليرة سورية.

ورغم ارتفاع الأسعار إلا أن ربة المنزل ذكية الأسعد (65 عاماً) تقول بأن خبز المخابز الخاصة هو خبز جيد، وسعره مقبول.

وهو ما يوافق عليه عضو في “منظمة اتحاد المكاتب الثورية” مصعب العبي (30عاماً)، لكنه يشكو من الوقوف الطويل أمام هذه الأفران من أجل الحصول على ربطة أو ربطتين، ومن محاباة هذه الأفران للمسلحين والقادة العسكريين، ويقول: “إذا كنت مسلحاً فيحق لك أن لا تلتزم بالدور، وأن تأخذ الخبز الذي تريد”.