مجلس داريا المحلي يدير مدينة تحت الحصار
يؤدي المجلس خدمات مدنية وعسكرية منها برنامج زراعي لسد الحاجات الغذائية.
رهيف غانم*
يعمل ماهر (15 عاماً) برفقة والده موسى (42 عاماً) في الزراعة، بعد انقطاعه عن المدرسة بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها مدينة داريا.
تحدث موسى مع “دماسكوس بيورو” عبر الإنترنت بسبب الحصار المفروض على المدينة، مثل باقي الأشخاص الذين جرت مقابلتهم، قائلاً: “بعد أن نزح معظم سكان المدينة عنها بسبب الحصار والقصف من قبل قوات النظام، لم يعد هناك كادر تدريسي وأغلقت المدارس. منذ ذلك الحين وماهر يعمل معي في الأرض ويساعدني في تأمين احتياجاتنا”. ويضيف “كان ماهر طالباً مجتهداً في مدرسته وسأعمل جاهداً على أن يعود لمتابعة تعليمه، لكن الظروف الحالية فرضت نفسها علينا”.
تشهد داريا حملة عسكرية بدأت في تموز/ يوليو من العام 2012، وتسيطر القوات الحكومية على بعض الأحياء في أطراف المدينة وشتن غارات جوية مستخدمة البراميل المتفجرة. وقد اقتحمت القوات الحكومية المدينة عدة مرات خلال هذه المعارك، كما سقط العشرات من المدنيين، تبادل النظام والمعارضة الاتهامات بقتلهم عمداً. تترافق الحملة مع حصار خانق يهدف إلى منع إدخال المواد الغذائية والطبية إليها. في ظل هذه الظروف، يشرف المجلس المحلي على إدارة شؤون نحو 6600 شخص بقوا في المدينة.
تأسس المجلس المحلي في تشرين الأول/ أكتوبر 2012 إثر اجتماع ضم شخصيات مؤثرة، وهو غير منتخب من قبل السكان. وبالإضافة إلى المكاتب المدنية، يضم المجلس المحلي مكتباً عسكرياً، إلا أن التعريف المنشور على موقع المجلس الالكتروني يشدد على أن “المكتب العسكري جزء من بنيته التنظيمية وليس مهيمناً عليها”، وهو يضم عدداً من الفصائل المعارضة العاملة في المدينة منها “لواء شهداء الاسلام” و”لواء المقداد بن عمر” و”لواء سعد بن ابي وقاص”.
عن الخدمات المدنية التي يقدمها المجلس المحلي، يقول عضوه معتز مراد: “يدير المجلس المحلي الموارد الإغاثية في داريا بشكل كامل ويدعم العائلات الموجودة بوجبات غذائية أو مبالغ مالية. كما أنشأ المكتب الإغاثي مطبخاً مركزياً في المدينة”. يقول مراد إن المكتب الإغاثي كان يقدم ثلاث وجبات يومية، ثم مع اشتداد الحصار اضطر إلى تقليل الوجبات اليومية إلى وجبتين ثم وجبة واحدة ثم أصبح يقدم وجبة كل يومين. ويشرف المجلس المحلي على زراعة بعض المحاصيل لتعويض نقص المواد الغذائية. يقول مراد عن هذا المشروع: “تمت زراعة عشرات الدونمات من المحاصيل (الأساسية) كالقمح والفول والشعير والبازلاء إضافة إلى المحاصيل الشتوية مثل السبانخ والسلق وغيرها”.
يعدد مراد النشاطات الأخرى التي ينفذها المجلس، قائلاً: “المكتب الطبي يدير مشفىً ميدانياً فيه أغلب الأجهزة المطلوبة ويقوم بكافة العمليات اللازمة للجرحى والمصابين، أما مكتب الخدمات فيقوم بفتح طرقات بديلة عن تلك التي قطعت بفعل القصف أو تدمير المنازل، ورفع أنقاض وبناء سواتر لخدمة المعركة، وحالياً هناك خطة لإعادة إحياء بعض الطرقات الرئيسية في المدينة”.
تعددت الأساليب في محاولة تأمين مستلزمات الحياة في ظل الظروف الصعبة الحالية. ويقول الناشط في المكتب الإعلامي التابع للمجلس المحلي حسام عياش “إن الطريقة الوحيدة للاستمرار هي الاكتفاء الذاتي”. بالإضافة إلى المشروع الزراعي، يقول عياش إن المفتاح لصمود المدينة تحت الحصار هو ترشيد استهلاك المواد الأساسية، مثل المازوت الذي يستعمل لتشغيل مولدات الكهرباء.
مثل عائلة موسى، يقول أبو سامر (35 عاماً) إنه يعاني من الوضع في داريا، ويضيف “أعيش مع زوجتي تحت الحصار منذ أكثر من عام ونصف. أوضاعنا المعيشية صعبة وقاسية كباقي المتواجدين هنا بسبب قلة المواد الغذائية وارتفاع الأسعار. وصل سعر كيلو الأرز إلى أكثر من 5000 ليرة سورية (29 دولار). أصبحت المواد الغذائية تتوفر بشكل أفضل بعد هدنة المعضمية، لكن الأسعار مازالت مرتفعة والسبب يعود إلى استهداف الطريق بين داريا والمعضمية بشكل عنيف”.
يذكر أن بعد اتفاقية الهدنة بين قوات النظام وقوات المعارضة في المعضمية أرسل النظام وفداً إلى داريا ليفاوضهم على عقد اتفاق مماثل.
يقول مسؤول عسكري عرّف عن نفسه باسم أبو أحمد: “اجتمع المجلس المحلي للمدينة بالألوية والكتائب العاملة وبعض المدنيين وانتخبوا لجنة التقت بوفد النظام المفاوض والذي لم يحمل أي شروط وقال إنه أتى من أجل نقل صورة الداخل في داريا إلى القصر الجمهوري”. يضيف أبو أحمد إن اللجنة طالبت بالإفراج عن المعتقلين والانسحاب من المدينة فكان رد وفد النظام إنه يريد من اللجنة أن تخرج إلى دمشق لبدء المفاوضات. بحسب أبو أحمد، أبدت اللجنة موافقتها بشرط تعهد خطي من قبل النظام بالإنسحاب إلى أطراف المدينة والسماح للسكان بالرجوع إلى منازلهم، دون أن يدلي بتفاصيل أخرى. وقد أشارت تقارير إلى أن النظام حاول تعجيل الهدنة في الأيام التي سبقت الانتخابات الرئاسية في 3 حزيران/ يونيو سعياً إلى تجنيب العاصمة القصف أثناء الاقتراع، إلا أنه حتى الآن لم يُعلن عن التوصل إلى اتفاق.
*اسم مستعار لصحافي داخل سوريا.