مبادرات سلام لأطفال القامشلي
شارك نحو 30 طفلاً تراوحت أعمارهم بين 5 و 12 عاماً، في مشروع طموح يسعى لبناء السلام في بلاد تشهد اقتتالا عنيفا. مشروع “غراس السلام” الذي أقامه مركز آشتي، استهدف أطفال مدينة القامشلي من خلال أربع ورش على شكل نشاطات ترفيهية حملت إسم “أفعال السلام”.
مركز آشتي لبناء السلام (تأسس في العام 2013 في مدينة القامشلي) حدد لهذه الورش موعدا وهو يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، بدءاً من 22 أيار/مايو 2015. حملت كل ورشة عنواناً مختلفاً. وجاءت العناوين على الشكل التالي: السلام كلمة وشكل، السلام كلمة ونغم، السلام كلمة وقصة، السلام كلمة وصورة. وكانت الورش جميعها تنطلق بالحديث عن السلام والحرب، كمفردتين متناقضتين. ومن خلال التدرج بالأسئلة تصل الرسالة ومبتغاها أن السلام يكون عندما يضحك الأطفال، ويقومون بأنشطة مفرحة، فهذا نشاط سلمي وليس نشاط حرب.
الورش كان يتخللها نقاش يقوم بعده الأطفال بأنشطة يطلق عليها “فعل السلام”. في ورشة “السلام كلمة وشكل”، وبعد الحديث عن مفهوم الحرب والسلم، وبيان آثار كل منهما، صنع الأطفال أشكالاً جميلة عن طريق الصلصال، واعتبروها نوعاً من أنواع السلام. كما تعلموا أغنية عن السلام في ورشة “السلام كلمة ونغم“، حيث تدرّب الأطفال على أغنية انكليزية عن السلام على مدى يومين، وكان هدفهم إرسال رسالة سلام لسوريا وخاصة المناطق التي تشهد نزاعات ويذهب ضحيتها أطفال وإلى المبعدين عن منازلهم.
وتحول الأطفال إلى رواة قصص وحكايات تحكي عن عمل الخير ونبذ العنف، وذلك في ورشة “السلام كلمة وقصة”. وأخيراً كانت ورشة “السلام كلمة وصورة” بعد التحدث مع الأطفال عن السلام والحرب، تم مشاهدة مجموعة من الأفلام الكرتونية القصيرة والمتعلقة ببناء السلام وتقبل وجهات نظر الأخرين وحل النزاعات.
الأطفال وجدوا في هذه المبادرة فرصة للعب والمرح. جيان طالب في الصف السادس شارك بأنشطة مشروع “غراس السلام”، يقول “استمتعت كثيراً بالألعاب التي قمنا بها، وهي كانت تشعردنا بالفرح والأمل، هي أفعال سلام وتعلمنا منها. خاصة أغنية السلام التي أود أن تصل لكل أطفال سوريا”.
بعض أولياء الأطفال حضروا مع أطفالهم كافة الأنشطة كوالد ووالدة الطفل يوسف موسى، الطالب في الصف الخامس. أكدا أن طفلهما كان “خجولاً وانطوائياً ولكن بعد حضوره هذه الأنشطة أصبح أكثر تفاعلاً مع الأطفال وحتى بات يقدم النصح لنا”.
معلمة المرحلة الإبتدائية روجهلات أم لطفلتين، قالت أنها كانت تنتظر يومي الجمعة السبت كأطفالها لتحضر أنشطة المشروع “وجدت فيها متنفساً للهروب من ضغط الحياة، لا توجد أماكن هنا للتفريغ عن الأطفال”.
ايمان ابراهيم منسقة المشاريع والتدريب بالمركز (تحمل شهادة ماجستير في علم الاجتماع) تعتبر أن مشروع غراس السلام يهدف إلى تنمية الأفكار، والمبادئ المتعلقة ببناء السلام، بحيث تصبح الصور والمفاهيم المتعلقة بالسلام أكثر كثافة من رموز الحرب في سوريا. وتقول إبراهيم ” في بداية كل ورشة نطرح أسئلة على الأطفال حول إيجابيات السلام وسلبيات الحرب، إلى أن نصل لنتيجة أن أي شيء جميل في حياتنا مرتبط بالسلام. وأن الحرب تأخذ من الأطفال اللعب، والموسيقى والمدرسة والأصدقاء والأهل والمدينة التي يعيشون فيها، بل وكل شيء جميل في حياتهم”. فبحسب إبراهيم المشروع تطوعي ويعتمد على تبرعات الأعضاء، وهو محاولة للتأسيس لثقافة سلمية لدى الأطفال، خاصة مع توافد أعداد من الداخل السوري إلى مدينة القامشلي.
وكان تقرير صادر عن المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين في 18 حزيران/يونيو 2015، قد أعلن عن وصول عدد اللاجئين في العالم إلى حوالي 60 مليون شخص. أكثر من نصف عدد اللاجئين هم من الأطفال. واعتبر التقرير أن سوريا أكبر منتج في العالم للنازحين داخلياً 7.6 مليون شخص وللاجئين أيضاً 3.88 مليون شخص في نهاية عام 2014.
مركز آشتي لم يكن الوحيد الذي اهتم بواقع الأطفال وتأثير الحرب عليهم. العديد من المنظمات الأهلية في مدينة القامشلي نظمت أنشطة ترفيهية لتقديم الدعم النفسي للأطفال سواء الوافدين إلى المدينة أو أبناء المدينة نفسها. ويقدر عدد الوافدين إلى المدينة بحسب تقارير غير رسمية من مكتب اليونيسف في القامشلي بحوالي 12 ألف عائلة مسجلة في سجلات المنظمة.
جمعية شاوشكا للمرأة أقامت في 1 حزيران/يونيو 2015، حفلا بعنوان “معاً لرسم بسمة الأمل على شفاه أطفالنا من جديد”. وقدم فريق آهين للدعم النفسي التابع للجمعية خلال الحفل مسرحية دمى متحركة. وقدمت فرقة من الأطفال أغنية، وانتهى الحفل بقدوم الحكواتي الذي روى العديد من الحكايات، وذلك “لإعادة روح التفاؤل للأطفال” بحسب ما قالت جيهان المتطوعة في فريق آهين للدعم النفسي.
جمعية هيلين للطفولة أقامت من جهتها العديد من الانشطة الترفيهية لأطفال المدينة، وآخرها كان مهرجان زهور الربيع الذي يوضح رئيس الجمعية عبد السلام محمد أن الهدف منه كان “زرع البسمة على وجوه الأطفال وإدخال الفرحة إلى قلوبهم الصغيرة، التي لم تعد تستوعب المآسي و الظروف القاسية التي يمرون بها والتي افقدتهم طفولتهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم كأطفال”.
وتقول زينب زبيدي وهي مرشدة اجتماعية في المركز الاستشاري الدانماركي في القامشلي “أن هكذا مبادرات تتيح مشاركة الاطفال في أنشطة اللعب الموجه، وهي فرصة لاكتساب مهارات حياتية لبناء شخصية مرنة واعية سليمة إيجابية، فمن خلال الانشطة التعبيرية كالرسم والغناء وسرد القصص يعبر الأطفال عن المشاعر الدفينة، وتؤسس هذه النشاطات لمفاهيم الخير والشر وتقبل الآخر والعيش المشترك”.