ما يحصل في سورية… لعبة أمنية لا غير؟

مع تصاعد العنف في سورية وسقوط المزيد من الشهداء المدنيين والعسكريين، يرى عدد من ضباط الأمن أن ما يحصل في سورية عبارة عن مؤامرة مختلفة عما يتحدث عنه النظام السياسي. فبينما يتحدث النظام عن مؤامرة خارجية، يقول ضباط بأن المؤامرة تأتي من قبل عدد من ضباط الأمن في الأجهزة الأمنية المتعددة في سورية، وهو ما يفسر العنف المتزايد المترافق مع تسريب الوثائق والصور لهذا العنف من داخل الأفرع الأمنية التي اتخذت من القتل والتعذيب والقمع أداة لها. والدليل على ذلك هو تصوير بعض عمليات التعذيب وتهريبها وبيعها والذي يشير بشكل واضح إلى تواطئ الأمن الحامي للنظام في عملية سقوطه.


الأجهزة الأمنية السورية متعددة، فمنها الأمن العسكري التابع للجيش والقوات المسلحة بشكل مباشر، وأمن الدولة التابع لإدارة المخابرات العامة، والأمن السياسي التابع لوزارة الداخلية، والمخابرات الجوية التابعة لآمرية الطيران التابعة بدورها إلى الجيش والقوات المسلحة. لكن المميز أن في الأقسام الأمن الأربعة، عدد كبير من الأفرع المتنوعة العاملة ضمن قوانينها الخاصة، فمن فرع فلسطين إلى فرع الدوريات إلى فرع 92 و93 وغيره. وتتعدد التسميات والأرقام وبالنهاية المهمة واحدة والهدف واحد، هو الحفاظ على النظام بيد من حديد، مع تقاطع المهام فيما بينهم واختلاف اختصاصاتهم.

ما يراه المشاهد حالياً في الشارع هو القتل بالمجان، فهناك مجموعات ترتدي اللباس المدني أو العسكري تطلق النار على المتظاهرين والمدنين العزل، أو ترفع في وجوههم الهراوات الخشبية أو الحديدية أو الكهربائية، لتنزل بها على جسد المتظاهر أو المحتج على التعامل المسيء الذي عاشه الشعب السوري على مدى نصف قرن تقريباً، منادياً بالحرية ومعاقباً عليها في ذات الوقت.

لكن البوصلة السياسية والأمنية تشير بعد عمليات درعا وتلكلخ وبانياس، أن ليست الأفرع الأمنية جميعها مسؤولة عن هذه العمليات القمعية. هناك فروع بذاتها ترتكب هذه المجازر بقصد القتل والتنكيل وترتكب الكثير من الفظائع التي يندى لها الجبين.

عنصر أمني تابع لأمن الدولة اعتبر أن أشد الأفرع فتكاً بالمتظاهرين والمدنيين هم أفرع الأمن العسكري والمخابرات الجوية، نتيجة الولاء المطلق الذي يشعرون به إما للطائفة المنتمين لها أو للضابط الذي يتلقون منه الأوامر.

في المقابل يؤكد معتقلون أن لا فرق بالتعذيب والتنكيل بين فرع وآخر، وكلها مرايا لبعضها الآخر، ولا تخلو أي زنزانة من زنزانات الأفرع من الأعداد الكبيرة من المعتقلين والتي وصل عددها حسب المنظمات الحقوقية حتى آخر آب/أغسطس 2011 إلى ما يزيد عن الـ 15 ألف معتقل.


لكن الضابط الرفيع المستوى يقول: “الآن القيادة السورية باتت مقتنعة تمام الاقتناع بأن مرتكبي الكثير من الفظائع بالشعب السوري هم من طرف المخابرات العسكرية (التابعة للجيش والقوة المسلحة بشكل مباشر) والمخابرات الجوية (المسمى القوى الجوية والتي تتبع لأمرية الطيران)، عدا عن المرتزقة.” ويسمى المرتزقة أيضا الشبيحة وهم الأشخاص المستأجرون الذين يسيرون مع هؤلاء، مع عدم تبرأة باقي الأفرع الأمنية التابعة للأمن السياسي وأمن الدولة.

مشاهدات الضابط اقترنت بدليل قاطع بقوله: “ما ورد أخيراً من تقارير وعمليات إقصاء هو تأكيد لعدد من هذه الممارسات، كإقصاء رئيس فرع الأمن العسكري في حماة وهو مسؤول عما حصل في حماة وإقصاء رئيس فرع الأمن العسكري في إدلب بعد المجزرة التي راح ضحيتها 120 عنصر أمن عسكري، إضافة لرفع مذكرة خاصة بهذا الموضوع للقيادة السياسية لتتخذ الخطوات المناسبة بذلك.”

وتُدعم آراء هذه الرواية بالولاء الذي يكنه عدد كبير من الضباط لآصف شوكت (زوج أخت بشار الأسد) الذي استلم المخابرات العسكرية في بداية القرن الحالي، وقام بدعمه حتى أن العديد من الأشخاص الذين عملوا معه يهتفون باسمه بدل الرئيس. لكن الخلافات التي تصاعدت منذ بداية حكم بشار الأسد أدت إلى إقصائه عن السلطة وبروز نقمة عدد من ضباط المخابرات العسكرية الموالية لشوكت على الرئيس وقيادته.

تأكيدات الضابط الرفيع المستوى تأتي بعد عدة روايات تم طرحها في الأوساط الرسمية وغير الرسمية بأن الطائفة العلوية تلعب دوراً كبيراً في السياسة الأمنية المتبعة حالياً. فغالبية عناصر المخابرات العسكرية تنتمي إلى الطائفة العلوية وفقاً لعدد كبير من أحاديث عناصرها، وهو ما يؤكد قيامهم بعدد من الممارسات التي تتسم بالتطاول على الرئيس، وفقاً للضابط، الذي أشار إلى أن كافة الممارسات التي يقوم بها العناصر هي طريقة من طرق الولاء لآصف شوكت الذي أوصلهم في حقبة من الحقبات لأعلى السلم الهرمي الاجتماعي.


وتحدث الضابط أيضاً عن عمليات تجييش تحصل في عدد كبير من المدن السورية. فتتم فبركة أو تحريف أفلام على أنها حقد وانتقام من الطائفة السنية.

ما يخص باقي الأفرع الأمنية تلك التي تتبع لإدارة المخابرات العامة التي تعرف باسم أمن الدولة، والأمن السياسي التابع لوزارة الداخلية، فيقال أن لديها أوامر مشددة بعدم التعامل مع المتظاهرين، وفقاً لمقولة عدد من العناصر والضباط الذين أكدوا أنهم لا يستعملون العنف مع المتظاهرين أبداً، رغم أن عدداً من المتظاهرين قال أنهم تعرضوا للتعذيب في سجون هذه الأفرع بطرق مشابهة لزملائهم في أفرع أخرى.

المؤشرات تؤكد ومن كافة الأطراف أن عدداً ليس بقليل من الضباط في هذه الأقسام أيضاً ينتهكون الأوامر الصادرة إليهم ليكون الولاء لأشخاص من خارج الجهاز الأمني الذي مازال يعيش في حالة من الاضطراب نتيجة الأحداث الحاصلة على الأراضي السورية.

قد تتضارب الروايات في لحظة ما، لكن تتقاطع بأن الاعتقال والقتل والتعذيب مشترك بين كافة الفئات الأمنية، مع تنامي عمليات القتل والتعذيب في أفرع وخفضها في أفرع أخرى، كل ذلك لإثبات الولاء من جهة والحصول على مكاسب مستقبلية في المستقبل في حال بقاء النظام الحالي في الحكم، لكن يبقى التأكد من العدد الكبير من الروايات من الصعوبة بمكان في ظل نظام يحكم خلف أسوار من حديد.