ليلى بين فشل الزواج ونجاح العمل
العمل بالنسبة للنساء في سوريا حاجة أساسية لتعزيز فسيفساء المجتمع تصوير أسينات محمد
ليلى العمرلم يمنعها طلاق زوجها لها من مواجهة مصاعب الحياة بمفردها. لم تستكن للعادات والتقاليد البالية في مجتمعها، بل وبكثير من الجرأة دخلت مجالات لم تدخلها من قبل، تحولت إلى إسعاف المصابين ومداواة الجرحى.
ليلى العمر شابة ثلاثينية من مدينة معرة النعمان أم لثلاثة أطفال، ماهر، عمر، رائد. عرف عنها حبها للثورة السورية ومشاركتها الفعالة بها حيث كانت من أوائل الفتيات اللواتي خرجن مطالبين بالحرية والكرامة.
تزوجت ليلى في الرابعة والعشرين من عمرها من أحد شبان القرى المجاورة لمدينتها. كان حسام (32 عاماً) يعمل في إحدى مناشر قص الحجر بمدينة خان السبل في ريف إدلب الجنوبي. وعن زوجها تقول ليلى: “لم تكن تقاليدهم ولا عاداتهم تشبهنا أبداً، وكان زوجي عديم المسؤولية. لم أكن أحبه، غير أن هذه الحرب أرغمت الكثيرات على زواج لم يكن لهن رغبة فيه. لاشك أنها أقدارنا فقد قدر الله وما شاء فعل”.
سبع سنوات عاشتها ليلى مع زوجها، رزقت خلالها بثلاثة أطفال. اعتبرتهم كل الحياة بالنسبة لها، لم تكن سعيدة بذلك الزواج لكن فقر أهلها وإنجابها لأطفالها الثلاثة كانت أمور تجبرها على العيش والسكوت.
في أحد الأيام يطرق باب منزلها. أخبروها أن زوجها تعرض لإصابات عدة نتيجة القصف العشوائي على المدينة. وكأي زوجة توجهت ليلى مسرعة إلى المشفى لتطمئن على زوجها، ولكن كان عليها الإنتظار ريثما يخرجوه من قسم العمليات.
وفيما كانت ليلى تنتظر دخلت امرأة المشفى وتوجهت إلى غرفة العمليات وهي تندب زوجها. أوقفتها ليلى ووالدة زوج ليلى ليسألاها من تقصد. ، فقالت: “المصاب يكون زوجي، أنا من ريف حمص. تزوجنا منذ سنة وكان قد اشترط علي أن يكون هذا الزواج سرياً. وأنا وافقت كنت أعلم أن لديه زوجة وأطفال”.
أصيبت ليلى بصدمة قوية وخيبة أمل. ولكن خوفها على زوجها جعلها قوية. وعزمت على مناقشته في الموضوع بعد شفائه. 4 أشهر مضت على اهتمام ليلى بزوجها، بعد إصابته البالغة التي فقد على إثرها قدمه اليسرى.
بعد تماثله للشفاء قررت ليلى مناقشته بأمر زواجه الثاني، ولكن رده كان قاسياً. وبعد جدال دام لساعات عدة أتضح لها بأن زواجه للمرة الثانية كان لأنه أحب تلك المرأة. غضبت ليلى وصرخت من ألم غدر زوجها لها. فقام بضربها ضرباً مبرحاً وطردها بعد ذلك.
لم تكن ليلى تعلم بأن الزواج بثانية وثالثة عند أفراد عائلة زوجها هو أمر طبيعي ومستحب لدى الجميع. مضت شهور على مكوث ليلى في منزل أهلها، حاولت الإتصال بزوجها مرات عديدة، لكنه كان يقفل المكالمة، وبعد عدة محاولات رد عليها بكلمات الطلاق.
لم تستغرب ليلى منه ما حدث فكانت قد توقعت الطلاق، فهو لديه زوجة أخرى، طلاقها لم يزعجها بل على العكس، هي تمنّت هذا الأمر بعد غدره بها وتخليه عنها. لم تطالبه بأي شيء من حقوقها بما أنها أخذت معها أولادها الثلاثة.
وبعد طلاقها بعدة أشهر، بدأت بالبحث عن عمل تكون به قادرة على أن تعيل أولادها وتطعمهم اللقمة الحلال. ولأنها كانت تملك شهادة تمريض رزقت بعمل جيد بعد جهد وتعب في مشفى معرة النعمان. روحها العالية وإصرارها على تحقيق هدفها في التخفيف من معاناة المرضى والمصابين هو أكثر ما يصبر ليلى على نظرة المجتمع الذكوري لها كمطلقة.
تقول ليلى: “لم أكن أتوقع أن يحصل معي ما حصل. بل كنت أحلم بحياة سعيدة أعيشها مع زوج حنون وأسرة متكاملة. رؤيتي لأطفالي بدون أب حنون هو شيء يجعلني دائما منزعجة، ولكن الحياة لا تعطينا كل ما نريد. وبفضل من الله غدوت أعيل أطفالي وأبويّ ولا أنقص عليهم أي شيء”.
تدعو ليلى الله أن يمنحها القوة والصبر على ممارسة عملها الإنساني. فهي تعتبر “أن مهنة التمريض شاقة جداً، وهناك أيام لا أستطيع فيها النوم بجانب أطفالي”. ذلك أن ليلى كانت تأخذ المناوبات عن زميلاتها لتضاعف راتبها ولتسد به حوائج البيت وحوائج أطفالها ووالديها.
وبالرغم من كل هذه المعاناة فهي سعيدة بحياتها مع أطفالها ولأن الله رزقها بعمل تأجر عليه في الدنيا وفي الآخرة على حد قولها.
تقول ليلى لكل شابة سورية أن “الطلاق ليس نهايتك، فهناك رجال لم يقدرونا وظنوا أننا سلعة للبيع والشراء أو قطعة كأي شيء موجود داخل المنزل. لذلك أنصحك بالاستمرار، ومواجهة الحياة باعتمادك على ذاتك. القوة تلزمنا في كل المواقف بحياتنا، والمرأة المطلقة ليست امرأة فاشلة بل قد تكون ضحية لرجل فاشل”.