لن يجتاحوا إدلب؟
شباب ينتظرون منذ ساعات الفجر الأولى للتقدم بطلب عمل في إحدى المؤسسات
"سأحتفظ بحقيبة السفر أو النزوح كما نسميها هنا، التي جمعت فيها ما يمكن أن يسفعنا في الخيمة المفترضة التي سيؤول إليها حالنا في حال اندلعت الحرب.
"
أخيراً جاء الخبر الذي قد يسعدني مع جموع الناس التي تعيش في سوريا الصغيرة (تسمية يطلقها أهالي إدلب على منطقتهم). بعد أخذٍ ووتهديداتٍ من كل الأطراف الدولية والإقليمية، وتنافسها على هذه البقعة الصغيرة المتبقية من سوريا خارج حكم النظام في دمشق، تم تجنيب إدلب مأساة اعتبرتها الأمم المتحدة الكارثة الأكبر في القرن الواحد والعشرين.
اتفاق سوتشي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتن، أنهى الجدال حول الهجوم الذي كان مزمعاً على المحافظة التي تضم أكثر من 3 ملايين ونصف المليون شخص معظمهم نزحوا من محافظات سورية عدة.
الاتفاق ينص على تشكيل منطقة منزوعة السلاح على طول حدود المحافظة بعرض 15 كلم خالية من قوات الطرفين، مع تعهد وزير الدفاع الروسي بأنه لن يكون هناك هناك هجوم على إدلب.
إذاً لماذا لست سعيدة؟ لماذا يراودني ذاك الشعور الغريب حول الردود المحلية على الاتفاق؟ لماذا تحاصرني الهواجس المقيتة التي لا تنفك تطرق رأسي، وتجعل السعادة شيئاً صعب المنال.
يبدو لي صائباً أن أقبل بالاتفاق الذي يبدد جميع المخاوف التي راودتني قبل أن يبرم. ويخفي جميع الأفكار عن المخرج في حال بدأ الهجوم على إدلب. المراقب من الخارج يرى الهجوم أمراً عادياً ولا يلتفت إلى الأمور الإنسانية التي يتحدث عنها الجميع على هامش الأمور العسكرية.
مع قبولي بالاتفاق الذي أدرك جيداً أن لن يؤثر في شيء. أدرك جيداً التوازنات داخل إدلب، لا يعلم الجميع الوضع هنا بدقة كما نعلمه نحن.
هناك في إدلب مدنيون جميعهم ترقبوا مثلي نتائج اجتماع سوتشي، لكن موافقتهم من عدمها غير مؤثرة في التوازنات الداخلية التي تسيطر عليها جماعات اعتبرت أن لها الأحقية في تقرير مصير إدلب، لدوافع عدة اقنعوا أو يحاولون أن يقنعوا بها المدنيين، من تقديمهم الشهداء إلى التضحيات من أجل السيطرة على هذه المنطقة.
مخاوفي من عدم قبول الاتفاق يدعمها وجود معارضة معتدلة وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) وعشرات الفصائل التي تعمل كل منها بمفردها، ولكل منها رأيه من الاتفاق. ففي حين وافقت المعارضة المعتدلة بضغط من تركيا، رفضت هيئة تحرير الشام والفصائل المرتبطة بها، وبقي موقف الفصائل الأخرى ضبابياً.
كل ذلك جعل السعادة المؤقتة التي زارتني بعد مدة طويلة، بعد أن تاهت في حجم المخاوف الكبيرة التي تتزاحم في رأسي الصغير، تهرب منه منهكة كعجوز يترنح على عكازه وتبدو الأخاديد الذي رسمها الزمن على وجهه.
قبيل تنفيذ الاتفاق، كنت أحاول أن أتمسك قدر الإمكان بالسعادة. أقفلت عليها داخل رأسي، وأفرجت عن جميع مخاوفي إفراجاً مشروطاً.
وقلت في نفسي: لن أعطي أطفالي دروساً وإرشادات في التصرف السليم عند قدوم الطائرة، سأرمي بعيداً جميع إرشادات الدفاع المدني عن كيفية تفادي الضربة الكيماوية، وكيفية التخلص من الكيماوي في حال تعرضنا له، سأعيش هذه الأيام كأي إنسان طبيعي، يستيقظ صباحاً، ويشرب فنجان الشاي مع شريك حياته، يقوم بزياراته الطبيعية، ويلاعب أطفاله، ولا يخاف من الخروج إلى السوق خوفاً من طائرة، أو عربة مفخخة.
ومع ذلك سأحتفظ بحقيبة السفر أو النزوح كما نسميها هنا، التي جمعت فيها ما يمكن أن يسفعنا في الخيمة المفترضة التي سيؤول إليها حالنا في حال اندلعت الحرب.
مريم محمد (24 عاما) من إدلب متزوجة وأم لطفلين توقفت عن متابعة دراستها الجامعية في سنتها الرابعة بسبب الحرب.