لم أتمالك نفسي عن البكاء
أنشطة الرسم الترفيهية التي تقدمها المعلمات للأطفال في مركز الدعم النفسي "فسحة طفل" في حي بستان القصر بحلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
مرت سنوات طويلة على زواجي ولم أرزق بالأولاد.وكنت دائماً أدعو الله أن يرزقني بطفل. ولكنها مشيئة الله والحمد لله على كل حال. حاولت أن أجد بعض التعويض عن حرماني من الأولاد، فقررت أن أقوم بتعليم عدد من أولاد الحي في منزلي على المنهاج المدرسي. وذلك لتقويتهم في دروسهم وخاصة في هذه الأيام العصيبة، حيث لم يعد التعليم في المدارس كما كان في السابق، نتيجة لظروف الحرب التي تمر بها البلاد.
واستمريت بهذا العمل لبضعة أشهر. وكنت سعيدة جداً بذلك وأصبح الأطفال أبنائي وطلابي في آن واحد. إعتدت على رؤيتهم يومياً وعندما يمر يوم بدون رؤيتهم كنت أحزن كثيراً، ولا أستطيع الانتظار إلى اليوم التالي من أجل رؤيتهم.
وفي يوم إثنين صادف في 18/4/2016، كان الأطفال في منزلي أساعدهم في واجباتهم المدرسية. كنا سعداء جداً والابتسامة لا تفارق وجوهنا، فجأة سمعنا صوت طائرة حربية. ولكن الصوت هذه المرة كان قوياً جداً. شعر الأطفال بالرعب والخوف الشديد. وأنا كنت مثلهم ولكنني حاولت أن أخفي خوفي عن الأطفال وأخفف عنهم. قلت لهم: “لا تخافوا نحن هنا بأمان بإذن الله.” وعدنا لمتابعة الدروس وبعد عدة دقائق سمعنا صوت انفجار عالٍ جداً. وبعد ذلك لم أعد أرى شيئاً أمامي من كثرة الغبار. ولا أعلم ماذا حل بالأطفال من حولي. كنت اسمع صراخهم فصرت أناديهم بأسمائهم وأبحث عنهم وأتحسسهم بيدي. وبعد قليل خف الغبار من حولنا وأصبحت قادرةً على رؤيتهم بصعوبة. جمعتهم حولي وبدأت أتفحصهم إن كان قد أصيب أحدهم. والحمد لله لم يصب أحدهم بأذى. وفي هذه الأثناء دخل فريق الدفاع المدني من أجل إخراجنا من المنزل، لأن صاروخا من صواريخ الطائرة قد هدم جدار الغرفة المجاورة.
وأثناء إخراجنا من المنزل شاهدنا حجم الدمار الهائل الذي حل بالسوق والمنازل المجاورة. كانت دماء الشهداء والمصابين في كل مكان وكان هناك عدد كبير من الإصابات ولم نعلم عدد الشهداء والمصابين بعد، وتم نقلنا إلى ملجأ قريب من منزلنا لأن طائرة النظام المجرم ما تزال في الأجواء، خوفاً من ضربة غادرة ٍ أخرى. بقينا في الملجأ لفترة بانتظار انتهاء الطائرة من القصف. بدأ الأهالي يبحثون عن أطفالهم و يسألون ماذا حل بهم. أخبرتهم فرق الدفاع المدني أنه تم نقلهم إلى مكان آمن وهم بخير، فجاء الأهالي لاصطحاب أطفالهم إلى منازلهم، وكانت لحظات احتضان الأهالي لأطفالهم مؤثرة جداً. لم أتمالك نفسي عن البكاء، وفي نفس الوقت كنت أفكر بزوجي الذي كان خارج المنزل في زيارة لوالديه في حي آخر من مدينتنا كفرنبل. وما سيكون شعوره عندما يرى هذه الدماء والدمار الكبير الذي حل بالمنزل والحي، وحين ولا يجدنا في المنزل، ولا يعلم ما حل بنا. كنت أحاول أن أطمأن نفسي رغم قلقي وخوفي الشديدين بأن فرق الدفاع المدني سوف تخبره أننا بخير وفي مكان آمن. وبالفعل بعد قليل جاء زوجي لاصطحابي للمنزل وكان وجهه مصفراً وشاحباً جداً، ويتنفس بسرعة كبيرة من شدة قلقه وخوفه علينا. كما أنه جاء راكضاً ليرى ماذا حل بنا بعد كل ما حدث .
كانت لحظات قاسية وعصيبة جداً على الجميع. ولم أستطع نسيانها أبداً أو محو تلك الصورة من مخيلتي، وكلما تذكرتها تمتلئ عيناي بالدموع ولا أستطيع تمالك نفسي عن البكاء. ومنذ ذلك الحين أصبحت أشعر برعب شديد عندما أسمع صوت الطائرة، وأظن أنها سوف تقصف منزلي من جديد.
ناية العبدالله (30 عاماً) من كفرنبل، متزوجة وتحمل شهادة معهد صحي… فقدت وظيفتها بسبب الأوضاع الأمنية في سوريا.