“لدينا نقاب للراكبات”
كان قد مر ثلاثة أشهر على دخول عناصر تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، إلى ناحية تل حميس في الجنوب الغربي من مدينة القامشلي، حملت هنوف أولادها وقررت أن تزور والديها في القرية لأول مرة بعد أن دخلها تنظيم الدولة الاسلامية.
وصلت هنوف إلى كراج القامشلي لتستقل الباص الذاهب إلى قريتهم، تبعد نحو 10 كيلومترات عن تل حميس.
فوجئت ببعض النسوة يسألن بعضهن بعضاً: “هل أحضرت نقاباً معك؟”
تقدمت هنوف باتجاه النسوة وبادرت بالسؤال: “ولماذا النقاب؟”
ردت عليها إحداهن باستغراب: “ألا تشاهدين الأخبار؟”
عاجلتها الثانية: أكيد لا تتابع التلفزيون، لو كانت تتابع لما تفاجأت بسؤالك.
لم تهتم هنوف كثيراً بالأمر، ولكنها حين صعدت إلى الباص لفت نظرها ورقة علقت على الزجاج الأمامي كتب عليها “يوجد لدينا نقاب للراكبات” وبحركة لا إرادية نظرت إلى نفسها في المرآة، فهي ترتدي الحجاب فما سبب ارتداء النقاب.
في هذه الأثناء كان السائق يدير مقود سيارته فسـألته: “يا أخي لماذا قمت بتعليق هذه اللوحة؟” رد السائق وهو ينفث دخان سيجارته: “عندما نصل إلى حواجز التنظيم، في حال وجود نساء من دون نقاب، سيقومون بإيقاف الباص، والبدء بإعطاء محاضرة دينية للنساء عن الحجاب وعن أهمية النقاب. لهذا السبب واختصاراً للوقت أحضرت عدداً من الاغطية السوداء، لترتديهن النسوة اللواتي لم يحضرن معهن نقاباً، واحتياطاً أحضرت البطاقات الشخصية الخاصة بأخواتي وأمي، كي أوزعها على الراكبات المسافرات من غير محرم”.
أحست هنوف بقشعريرة وهي تسمع حديث السائق الذي بدأ بإزالة الورقة المعلقة على الزجاج ووضعها تحت مقعده، بينما مضى يكمل حديثه: “عندما نصل إلى الحواجز سترين بنفسك”. ثم سألها: “هل أنتِ وحدك؟”
ردت هنوف بسرعة: “معي أولادي”.
طمأناها السائق: “لا بأس، سأعطيكِ نقاباً وبطاقة أختي الشخصية، وأخبرهم بأنك أختي وسنزور أهلنا؟”
في هذه الاثناء كان الباص يخرج من القامشلي متجها إلى تل حميس، بدا الطريق هادئا. أخرج السائق كيساً أسود ثم دفعه إلى الخلف. طلب من هنوف أن ترتدي نقاباً ثم تقوم بتمرير الكيس إلى بقية الراكبات غير المنقبات. وبسرعة بدأت بارتداء النقاب وتناولت بطاقة شخصية من السائق وأمعنت النظر في البطاقة، كانت تعود لفتاة في العشرينات من عمرها تحمل اسم فاطمة. ضمّت أطفالها لحضنها بينما كانت النسوة الباقيات يكملن ارتداء النقاب.
التفت السائق إلى الركاب قائلا: يا أخواتي هل توجد بينكن راكبات من دون محرم، لأعطيها بطاقة شخصية كي لا نتأخر على حاجز داعش؟
ردت عجوز في الستينات من عمرها: أنا يا بني. ولكن لماذا قد يطلبون محرم؟
ابتسم السائق وهو يدفع اليها بطاقة شخصية: خذي هذه بطاقة عمتي؟
في هذه الاثناء كان الباص يقترب من حاجز لعناصر التنظيم، خفف السائق من سرعته بوصوله إلى الحاجز.
حضنت هنوف أطفالها بقوة، وبدأ قلبها يخفق بسرعة، وهي تنظر من تحت النقاب. كان هناك أربعة أشخاص، تقدم احدهم باتجاه الباص. رجل ضخم في الاربعينات من عمره، بلحية طويلة حاملا رشاشاً على كتفه. أخذ بطاقة السائق ثم التفت إلى داخل الباص ووجه سؤاله للنساء: هل من راكبة من دون محرم؟
ساد صمت قاتل قطعه صوت السائق : لا يوجد أحد. جميع الراكبات معهن محرم أما هذه، (وكان يشير بيده الى هنوف) فهي أختي وسآخذها مع أولادها لزيارة والديّ، أما تلك العجوز فهي عمتي واشتاقت لوالدي.
كان الرجل ينظر إلى هنوف مثبتا نظره عليها. أحسّت أنّها ساعات، بسبب الخوف الذي تملّكها. ثم أغلق الباب وطلب من السائق إكمال الطريق.
تنفست هنوف الصعداء، ولم تكن الوحيدة كان كل من في الباص مثلها. همّت بخلع النقاب انتبه السائق اليها قائلا: هناك حاجز آخر بعد قليل. هل رأيتم فائدة احضاري النقاب، لم نتأخر على الحاجز. أعادت هنوف النقاب وهي تتمنى أن تنتهي زيارتها بسرعة.
ضحكت في سرها على السائقين الذين وجدوا وسيلة كي لا ينتظروا في طوابير على الحاجز، بينما هي كانت تتساءل: هل يجب أن ترتدي النقاب فقط إرضاءً لداعش؟ ومازالت تبحث عن إجابة.