لا لضياع جيل في سوريا
لا لضياع جيل تصوير نسرين الأحمد
"مشروع "لا لضياع جيل"، نواة خير جديدة في وطن دمّرتهُ الحرب وخلّفت مشاكل تعليمية كبيرة"
أطلقت مؤسسة قبس للتربية والتعليم في 12 شباط/فبراير 2017 مشروعاً تعليمياً للطلاب في ريف إدلب، تحتَ إسم “لا لضياع جيل”. هذا الكرز الذي أعاد السعادة إلى جيداء قرنفل (15 عاماً) التي تقول: “الحلم ليسَ مستحيلاً وبالعلم نبني الأوطان لذا أنا مُصرّة على إكمال طريقي في الدراسة”.
ويقوم المشروع في مرحلته الأولى على دعم المؤسسة لمركزين في الدانا وترمانين فيستقبلان نحو 180 طالباً وطالبة من المرحلتين الإعدادية والثانوية ممن انقطعوا عن دراستهم، أو بحاجة لتقوية. فيتلقون دروساً مكثّفة على أن يستكملوا تعليمهم في المدارس في ما بعد.
موقع حكايات سوريا التقى محمد إبراهيم (35 عاماً) مسؤول التعليم في مؤسسة قبس، وحدّثنا عن المشروع قائلاً: “يتألف مشروع، لا لضياع جيل، من ثلاث مراحل. المرحلة الأولى وتستهدف طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية في مركز الغد المشرق في مدينة ترمانين ومركز شباب النهضة في مدينة الدانا. وتمَّ اختيار الطلاب وفقاً للحاجة ما بين متسربين وممن يحتاجون لتقوية والفئات الأكثر فقراً. ويهدف المشروع لعودتهم إلى المدارس بمستوى تعليمي جيد”.
ويؤكّد إبراهيم أنه تمَّ تعيين المدرّسين وفقاَ لمعايير قد وضعتها المؤسسة بما يضمن نجاح العملية التعليمية. ويضيف أنّ المرحلة الأولى تنتهي في نهاية شهر أيار/مايو 2017 يلي ذلك المرحلتان الثانية والثالثة. كما ينوّه أنَّ المشروع مجاني وقد تمّ إعطاء الطلاب المستلزمات الدراسية.
وفي ما يخص المرحلة الثانية من المشروع يقول إبراهيم: “باعتبار أننا استهدفنا في المرحلة الأولى طلاب شهادتي التاسع والثانوي، سنقوم في المرحلة الثانية خلال فصل الصيف باستهداف 900 طالب وطالبة دون صف التاسع أي ممن أعمارهم بين 8 و14 عاماً كحدٍّ أقصى من بين المتسرّبين وممن بحاجة لتقوية”.
ويُضيف إبراهيم: “كالمرحلة الأولى نهدف بأن يعود الطلاب إلى مدارسهم لاستكمال دراستهم بنجاح، ويتحقق ذلك عبرَ برنامج متكامل يتضمّن تدريبات من مناهج عالمية هي بالأساس موجودة لهذا الغرض”.
أمّا المرحلة الثالثة، فستشمل تدريباً لـ 300 من الإداريين في 150 مدرسة وذلك لمدة ثمانية أيام من أجل رفع مستواهم، بحسب ما يقول إبراهيم الذي يؤكّد أنَّ “هذا التدريب ضروري لأنَّ كل عناصر العملية التعليمية على أهمية عالية، ونجاح التعليم هو عملية متكاملة بحاجة لإشراك الجميع فيها”.
من جهةٍ أُخرى، هناك نوع من التضارب بين مؤسسة قبس والمجلس المحلي في مدينة ترمانين التي ترعى فيها المؤسسة مركز الغد المشرق، حيثُ يلفت إبراهيم إلى أنّ طبيعة التنسيق مع المجالس المحلية تقتصر فقط على مذكرات تفاهم، لينحصر دور هذه المجالس في المساعدة على انتقاء المراكز فتحدّد المذكّرات الأدوار، وتحفظ حق المؤسسة بعدم تدخل أحد في عملها التربوي.
لكن فراس أبو علي (47 عاماً) رئيس المجلس المحلي في ترمانين يقول لموقعنا، أنّ مؤسسة قبس قطعت تواصلها مع المجلس بعد توقيع المذكرة التي تنص “على تزويد المؤسسة المجلس بتفاصيل معيّنة”. ويضيف أبو علي: “جلَّ ما يهمنا هو مصلحة الطلاب التي هي فوقَ كل اعتبار، لذا اقتصر دورنا على المراقبة”.
مدرّس اللغة الإنكليزية في المشروع محمد الطالب (32 عاماً) يقول لموقعنا: “هدف الطالب هو أن يجد أي فرصة كي يتعلّم، مع أنَّ ذلك يبقى منتقصاً فنتمنى أن يتمكّن طلابنا من الحصول على شهادة معترف بها”. ويُضيف: “تشهد مراكز التعليم إقبالاً كبيراً لأنها مجانية، بدلاً من المعاهد الخاصة التي تطلب مبالغاً تفوق قدرات الأهالي… ومع أني أرى أنّ المناهج مكثّفة نسبةً للوقت المخصّص لها، لكن في ظل الظروف المحيطة، قد تكون المراكز التعليمية بديلة عن المدارس”.
كما يتضمّن مشروع “لا لضياع جيل” أخصائيين في الدعم النفسي. جيداء حميدش (35 عاماً) أخصائية الدعم النفسي في مركز ترمانين تقول لحكايات سوريا: “من الضروري أن يكون هناك جلسات دعم نفسي للطلاب، وبشكل خاص في المرحلة الأولى من المشروع حيثُ طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، وهم في سن المراهقة”.
وتلفت حميدش إلى أنه “في ظل ظروف الحرب، هناك مشاكل عديدة عائلية وتعليمية… تؤدي إلى التأخر الدراسي، فالعقل السليم يحتاج لنمو نفسي سليم”. كما تُعطي جيداء محاضرات توعية للطلاب عن مواضيع عديدة منها الزواج المبكّر وعمالة الأطفال والتجنيد في الأعمال العسكرية”.
نور الدين الجابر (23 عاماً) أحد طلاب المرحلة الثانوية في المشروع، يقول: “لو أني أكملت تعليمي الثانوي كنتُ سأصل إلى الجامعة وأحقق حلمي بدراسة الهندسة الميكانيكية، لكن بسبب ظروف الحرب لم يحصل ذلك، واليوم أتابع الدروس في المركز من أجل الحصول على الشهادة الثانوية مع أنهُ غير معترَف بها، لكنّ ذلك يزيد ثقافتي وربما تساعدني الشهادة إن حصلت عليها، على تحقيق جزء من حلمي في المستقبل”.
أمّا أبو عيسى (44 عاماً) وهو والد أحد الطلاب المتلحقين بالمشروع، فمن حسرته على الوضع التعليمي بعد تدمير المدارس وحرمان الطلاب من فرصهم بالتعليم، غدا غير متفائل بالمشروع ويقول: “لا شيء يعوّض عن المدارس وعن التعليم في ظروف طبيعية، فيما أنتظر النتيجة المرجوة من الطلاب ليثبتوا لنا العكس”.
وبذلك يكون مشروع “لا لضياع جيل”، نواة خير جديدة في وطن دمّرتهُ الحرب وخلّفت مشاكل تعليمية كبيرة. ليسعى الطلاب بكل ما أُوتوا للحاق بركب التعليم في عالمٍ يتطوَّر، وفي ظل ظروف حرب قاسية.