قلوب مبصرة معرض لأشغال المكفوفين في إدلب
بعض أشغال القش التي أنتجها المتدربون تصوير نايف البيوش
ينسج وائل بوزقلي (30 عاماً) خيوط القش بحرفية عالية، ليصنع منها تحفة منزلية فريدة بعد تلقيه دورة تدريبية استمرت لمدة ستة أشهر.
الدورة التي تابعها وائل في صناعة القش تأتي ضمن مبادرة قلوب مبصرة التي نفذها مركز مكاني وهي عبارة عن نشاط تدريبي لتعليم الأشغال اليدوية وصناعة التحف.
وائل بوزقلي يعرب عن سعادته لتعلمه مهنة صناعة القش. يقول بوزقلي: “عندما يمتلك الإنسان روح الإصرار والتحدي يسهل عليه تعلم كل شيء”. بوزقلي سعيد جداً لتعلمه هذه المهنة كونها تعتمد على الإحساس والإبداع الذاتي إذ لا يمكن أن يتخيل أحد أن مكفوفاً صنع مثل هذه اللوحات.
وعن طبيعة مهة صنعة القش يقول بوزقلي: “نعمل على وضع خيوط القش في الماء لفترة معينة ومن ثم نعمل على ربطها ببعضها لنشك منها عدة أشكال وأواني مختلفة”.
مدير مركز مكاني وسيم أسعد (28 عاماً) يشرح لحكايات سوريا أهمية المعرض بالقول: “تهدف المبادرة لإيصال صوت هذه الشريحة للمنظمات الإنسانية وأنهم ما زالوا موجودين وقادرين على أن يكونوا عضو منتج في المجتمع، إن أتيحت لهم الفرصة بلإضافة لدعمهم وتمكينهم من تعلم حرف تساعدهم على إيجاد فرصة عمل لإعالة أنفسهم وأسرهم ودمجهم في المجتمع ودعم مواهبهم”.
ويضيف أسعد: “يأتي هذا المعرض حصيلة جهود تدريب استمر لستة أشهر، استهدف 8 شبان مكفوفين حيث أتقنوا هذه المهنة. الأطباق والأباريق والصواني والسلال هي أكثر ما انتجه الشبان حيث تعتمد هذه الصناعة على الدقة والحرفية العالية وبدورنا قدمنا لهم كل مستلزمات العمل”.
ضم المعرض غرفتين الأولى عرضت فيها أعمال المتدربين على مدى 6 أشهر وحملت جدرانها صورهم أثناء عملهم في صناعة القش، وفي الغرفة الثانية عمل المشاركون على إنتاج القطع والتحف مباشرة .
المدرب والمشرف على المبادرة إبراهيم الدبل (35عاماً) يقول لحكايات سوريا: “بما أنني كفيف ولا يشعر بالمصاب إلا المصاب عملت على تدريب مهنة صناعة القش. تعلمت هذه المهنة منذ فترة طويلة وذلك في مدرسة المكفوفين في حلب”.
ويأمل الدبل “من خلال هذا العمل أن نثبت للعالم أننا لسنا معوّقين بل إن المجتمع هو الذي أعاقنا. نحن اليوم بأمس الحاجة لوقوف المجتمع إلى جانبنا وتشجيعنا على الإستمرار. بلإضافة لحاجتنا لمساعدة المنظمات والجمعيات بتأمين كافة مستلزمات العمل وذلك لتطوير قدراتنا وتنمية مواهبنا”.
ويضيف الدبل: “نهدف إلى تدريب غيرنا من المكفوفين ليحققوا دخلاً يكفيهم هم وعائلاتهم ويغنيهم عن طلب العوز من أحد. ونسعى لأن نوسع إطار عملنا لتخديم جميع المكفوفين وفاقدي البصر وتعليمهم مهنة صناعة القش”.
تواجه المبادرة صعوبات عديدة أهمها تأمين المواد الأولية لأنها مواد مستوردة وتتطلب الكثير من الوقت والجهد لإحضارها.
محمد اليوسف أحد المشاركين في المعرض يقول: “يكفي الإنسان أن يعيش من عمله وتعبه بكرامة مهما بلغت الصعوبات والتحديات. رفضت كثيراً من قبل أرباب العمل ولسان حالهم يقول أنت لا تصلح لشيء. هذه الكلمات التي آلمتني أكثر من ألم إصابتي، اليوم أثبتنا أننا نستطيع أن نكون عضو منتج في المجتمع فالإعاقة بالنسبة لنا لا تعني النهاية، بل بداية التحدي”.
المعرض شهد حضوراً كبيراً من الأهالي ومنظمات المجتمع المدني الذين تفاجأوا بما يقدمه المتدربين من تحف فنية عالية الجودة. وهو ما يؤكده الناشط الإعلامي محمد الإبراهيم (29 عاماً) الذي كان يجول بين التحف مبدياً إعجابه بلإحساس العالي والفن الراقي الذي كان حاضراً وبقوة في أشغالهم.
ويقول الإبراهيم: “فوجئت بالأشخاص العاملين، صحيح أنهم فاقدي البصر ولكن قلوبهم مبصرة. رغم التحديات والمعوقات التي واجهتهم إستطاعوا أن يثبتوا وجودهم من خلال تقديم أعمال مميزة. اليوم وبعد 9 سنوات من الثورة لم نر مثل هذه المبادرات التي تدعم هذه الفئات وتضمن لها الإستمرارية”. م
وشدد الإبراهيم على أهمية تكرار مثل هذه النشاطات التي تخدم هذه الشريحة المنسية في المجتمع.
ويعد مركز مكاني أحد أكثر المراكز نشاطاً في الشمال السوري. وهو مركز مجتمعي يقدم عدة أنشطة لكافة الفئات العمرية، منها الدعم النفسي وإدارة الحالات والشبكات المجتمعية، وكل مايهم الشباب من دورات وتدريبات.
ووصلت معدلات الإصابة بإعاقات دائمة في بعض مناطق سوريا نتيجة إمتداد الصراع والعنف إلى مئات الآف الأشخاص بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. ويتوقع أن يعاني نحو 45 بالمئة على الأقل من المصابين نتيجة الصراع من عاهة دائمة تتطلب دعما متخصصا بعد إنتهاء أعمال القتال بوقت طويل.
على الرغم من القصف والنزوح والتهجير يصر المشاركون على تعلم مهن جديدة تزيد من خبراتهم ومهاراتهم ولسان حالهم يقول الإعاقة ليست إعاقة الجسد.