قلق متبادل بين النازحين والأهالي في طرطوس
صادق عبد الرحمن
ملاحظة: جميع الأسماء مستعارة
(طرطوس، سوريا)، منذ بدأت المعارك في سوريا تدفق عشرات آلاف النازحين إلى محافظة طرطوس الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها 938 ألفاً حسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء للعام 2009، وعلى الرغم من أن أكثرية السكان فيها من الطائفة العلوية التي تعرف بولاء أغلب أبنائها للنظام السوري، ومن مقتل الآلاف من أبناء المحافظة في المعارك ضد القوات المعارضة، لم يتعرض النازحون لانتهاكات تذكر.
تشير آخر إحصائية أعلنتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية في أوائل العام 2013 إلى وصول عدد النازحين في محافظة طرطوس إلى 255 ألفاً و360 نازحاً، وليس ثمة إحصاءات دقيقة وشاملة عن أعداد النازحين بسبب استمرار تدفق أعداد جديدة منهم. وتؤكد تقديرات ناشطين وجمعيات مختلفة أن عددهم تجاوز النصف مليون. يتوزع النازحون على مراكز إيواء تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بعضها مبانٍ حكومية قديمة وبعضها مخيمات خارج المدينة، وفي تجمعات وشاليهات مستأجرة، وأخيراً في بيوت ودكاكين متفرقة، كثيراً ما يقطن الواحد منها أكثر من عائلة.
يعيش أغلب النازحين في طرطوس في ظروف في بيئية آمنة نسبياً ولكن يتعرضون بين الحين والآخر لمضايقات الأجهزة الأمنية والميليشيات المرتبطة بها، فضلاً عن المشكلات ذات الصلة بالإغاثة والأوضاع الاقتصادية السيئة، وخاصة في المخيمات والمراكز الخاضعة لإشراف حكومي، والتي تعاني من آثار البيروقراطية والفساد الحكوميين.
يتحدث خالد (50 عاماً) عن احتضان حقيقي للنازحين في المدينة التي يقطن مع عائلته في أحد أحيائها، على الرغم من بعض المعاملة العنصرية بين الحين والآخر. يبدو خالد النازح من مدينة حلب مرتاحاً لإقامته في طرطوس، ويعتقد أن بعض المضايقات أمر طبيعي، ويضيف “مشكلتنا ليست مع أبناء طرطوس”. لم يقل خالد أين هي مشكلته بوضوح، إلا أن زوجته قالت إنها اختبرت ما وصفته بـ”المعاملة السيئة” والتمييز الطائفي من قبل الهيئات الحكومية التي توزع الإعانات، مضيفة “كذلك أتعرض لبعض الإهانات في الأسواق ووسائل النقل العامة بسبب كوني نازحة، لكن في المقابل ثمة آخرون يعاملوننا بشكل جيد ويقدمون لنا المساعدة”.
سعاد (38 عاماً) وهي نازحة من ريف حمص كانت أكثر وضوحاً عندما قالت “صحيح أن أحداً لم يتعرض لنا بسوء من السكان، لكننا نشعر أنه غير مرغوب بوجودنا وخاصة من قبل بعض العلويين، ومن قبل بعض أغنياء المدينة من جميع الطوائف”. تضيف سعاد “المرعب هنا ليس السكان بل الأجهزة الأمنية، لقد اعتقلوا كثيراً منا بدون أي سبب”. تشعر سعاد بالذعر من احتمال تعرض النازحين لاضطهاد أو مذابح في حال حدوث هجمات من قبل مسلحي المعارضة على المدينة، وتقول، “أرجو من الله ألا يقوم أحد من المسلحين بأي عمل هنا، لأننا نحن من سيتحمل العواقب، مع أننا لا دخل لنا بأي شيء”.
على الرغم من أن شيئاً لم يحدث من هذا، إلا أن مخاوف سعاد لها ما يبررها. يقول كمال (24 عاماً) وهو طالب جامعي من أبناء مدينة طرطوس، “صحيح أن كثيراً من النازحين أطفال ونساء لا ذنب لهم، لكن قسماً منهم متعاطف مع المسلحين الطائفيين السنة، ولا شك أن هناك بين النازحين خلايا نائمة”.
ادعى كمال أنه اكتُشف مخزن سلاح في أحد الأحياء ذات الأغلبية السنية في المدينة، وهو ما لم يتمكن موقع “دماسكوس بيورو” من التحقق منه، وأضاف “لا أعرف إذا كان من الممكن طرد النازحين، لكن استقبالهم كان خطأ كبيراً”.
ليس هذا موقف كمال وحده، فكثيرون يساهمون في ترويج شائعات عن حفر أنفاق وتخزين سلاح في المدينة، ومؤخراً تم فتح صفحة على “فيس بوك” تطالب بطرد النازحين من الساحل السوري لكنها أغلقت لاحقاً.
على أي حال فإن هذا ليس رأي الجميع؛ الموظف الحكومي سليم (40 عاماً) الذي ينحدر من ريف طرطوس وهو ابن عائلة علوية يقول، “هناك دعوات لطرد النازحين من المدينة، وهذا خطأ كبير، هؤلاء سوريون وبشر مثلنا. ربما يشكل بعضهم خطراً على المدينة، لكن الخطر يعم البلاد كلها بوجودهم وبدون وجودهم، المطالبة بطردهم عنصرية وقلة إحساس وطني وإنساني”.
عمل كثير من أبناء طرطوس في مجال إغاثة النازحين، بعضهم عن طريق جمعيات ومنظمات مختلفة، وبعضهم بشكل مستقل. أبو عروة وهو ناشط في مجال الإغاثة يقول “المضايقات التي يتعرض لها النازحون في طرطوس لا تتجاوز حدود ما قد يحدث في أي حالة نزوح، إذ يفعل القلق والخوف من وجود الآخر المختلف فعله، إضافة إلى التوتر الناجم عن أن الضحايا من أبناء المدينة يسقطون في معارك تخوضها قوات النظام في المناطق التي أتى منها النازحون”. يبدو السلم الأهلي متماسكاً في المحافظة كما يقول أبو عروة، “على سبيل المثال فإن آلاف النازحين يقيمون في الدريكيش وهي بلدة علوية في ريف طرطوس، وعلى الرغم من أنها فقدت المئات من أبنائها في المعارك فإنه لم تحدث أية انتهاكات أو اعتداءات ضد النازحين، بل إن أطفالهم يتعلمون في مدارسها بشكل طبيعي، ربما تتخلله بعض المضايقات على نطاق ضيق”.
يعتقد أبو عروة أن الهدوء والاحتضان هو إنجاز أبناء طرطوس، وأما القلق والخوف من المستقبل فمصدره النظام وممارساته وخطابه. النظام الذي سيكون وحده مسؤولاً عن أي اعتداءات أو صدامات على حد تعبيره، ويضيف “مراكز الإيواء وتجمعات النازحين خاضعة لرقابة صارمة من قبل الأجهزة الأمنية، ويتجلى التمييز الطائفي والمناطقي أصلاً على حواجز الأجهزة الأمنية ومليشيات اللجان الشعبية، وهذه الجهات هي التي تنشر الشائعات التي يتبين لاحقاً كذبها حول تسلح بعض النازحين وارتكابهم لجرائم وأعمال عنف، النظام ينشر الخوف وثقافة العنصرية والكراهية لاستثمارها في صراعه مع خصومه”.