قصة فراس الذي أطلقه النظام فخطفه تنظيم داعش!
"أخبرته أنّ والده موجودٌ في مكانٍ ليس باستطاعتنا أنّ نتواصل معه، وكذلك ليس بمقدورنا أنّ نعرف متى يمكننا رؤيته أو اللقاء به. ابني قلبه صغيرٌ على القهر"."
هي غدير نوفل، زوجة فراس الحاج صالح، الذي اختطفه تنظيم داعش في 19 يوليو/تموز 2013، ولا يزال مصيره مجهولاً.
فراس من مواليد عام 1972، كان يعمل بمنصب رئيس قسم المعلوماتية في مؤسسة الأعلاف في مدينة الرقة. زوجته تدعى غدير نوفل وهي معلّمة، رزقا بطفل أسمياه ابراهيم.
شارك فراس بالثورة منذ الصرخة الاولى، وعمل في مجال الإغاثة والاعلام، وشارك بالحراك السلمي والمظاهرات الثورية. اعتقلته قوات النظام للمرةِ الاولى في 4 تموز/يوليو 2011، على خلفية اعتصامٍ شارك فيه أمام مبنى المحكمة في الرقة، وأفرج النظام عنه بعد 24 يوماً. كان عمر ابنه ابراهيم بتاريخ اعتقاله 17 يوماً.
واستمر فراس بنشاطه بعد الافراج عنه، وكان اعتقاله الثاني بتاريخ 8 شباط/فبراير 2012، واستمر اعتقاله قرابة الشهر واُفرج عنه للمرة الثانية. على إثرها تم فصله من وظيفته، كنوعٍ من العقاب، إضافة إلى تهديدات بالقتل.
في تشرين الأول عام 2012، قرر فراس أن ينقل سكنه للريف المحرر التابع لمدينته الرقة، وتحديداً إلى مدينة تل ابيض. ليكمل نشاطه الثوري من هناك، وفعلآ رحل وعائلته وسكن هناك.
وفي اليوم الذي أعلن فيه عن تحرير محافظة الرقة، عاد فراس إلى الرقة، فقد كان حلمه أنّ يعود إلى مدينته بعد تحريرها من قوات النظام الحاكم في دمشق. وأكمل فراس نشاطه الثوري في الرقة، وندد بكل الافعال التي لا تمت للحرية بصلة.
حينها كانت قد بدأت الجماعات الاسلامية تظهر بشكلٍ واضح، وباتت تفرض افكارها على الناس، فما كان من فراس الا أنّ وقف ضد هذه التصرفات، وضد الجماعات التي تفرضها. وكما كان يتلقى التهديدات من الجماعات التابعة للنظام بات يتلقى تهديدات من قبل داعش، بوجول مغادرته المدينة.
لم يبال فراس كثيراً بأمر التهديدات، واعتقد أنها لمجرد الترهيب ليس إلّا … وبعد أيامٍ من التهديد، كان فراس يستقل سيارته الخاصة، بصحبة صديقٍ له، فاعترضته سيارةً فيها أشخاص ملثمون، أنزلوه من سيارته، وأجبروه على الذهاب معهم تحت تهديد السلاح. صديقه الذي كان بصحبته، لحق بهم السيارة حتى وصلوا مبنى المحافظة، والذي يعتبر المقر الرئيسي لداعش في محافظة الرقة.
عاد صديق فراس ليخبرنا بما جرى، وكيف تمت عملية اختطاف فراس أمامه، وسط ذهولنا. هل من المعقول أنّ تصل داعش لمثل هذه الطرق في الاعتقالات. تداعى الأهل والاصدقاء بعد ساعاتٍ على خطفِ فراس، إلى اعتصامٍ امام مقر المحافظة للمطالبة به.
أنكر تنظيم داعش في المقر، وجوده عندهم، وباءت محاولات التواصل معهم بالفشل. لم نحصل على أية معلومة تؤكد مصير فراس، والعديد من المختطفين أمثاله.
تعرضت زوجة فراس بعدها لعدةِ محاولاتٍ نصبٍ مالية، بحجة تأمين اتصال به، أو توفير معلومات عنه. وحاول اشخاصٍ كثر التلاعب بأعصابنا وعواطفنا، بتسريب معلوماتٍ كاذبة عن مكان وجوده. واستمرينا بمحاولات التواصل مع كل معتقل سابق لدى داعش وخرج مؤخراً، علّنا نسمع خبراً يطفئ نار قلوبنا، ولكن ما من خبر البتة.
غدير التي تملأ الدموع وجنتيها، تبلغ اليوم الـ 34 من العمر. أمضت منها ثلاث سنوات مع فراس، فراس الإنسان الهادئ المتّزن، المتحرر بأفكاره وباعث السلام والقوة. لولاه لما كانت قادرة أنّ تستمر في هذه الحياة بعد غيابه. غدير قررت الهجرة إلى خارج سوريا، لتأمينِ حياةٍ أفضل لإبراهيم. لعل وعسى أنّ يرجع فراس ويلتقيه ويفرح قلبه المنفطر بعد دهرٍ من القهر.
تهمس غدير بألم يرتسم في عينيها: “عند اختطاف زوجي فراس، كان ولدي ابراهيم عمره سنتين. الآن أصبح عمره ست سنوات وبضعة أشهر. أخبرته أنّ والده موجودٌ في مكانٍ ليس باستطاعتنا أنّ نتواصل معه، وكذلك ليس بمقدورنا أنّ نعرف متى يمكننا رؤيته أو اللقاء به. ابني قلبه صغيرٌ على القهر”.
تضيف غدير: “نسعى لتحريك قضية المغيبين لدى داعش، خصوصاً بعد إجلاء التنظيم عن الرقة بالكامل. قمت وبعض حقوقيّي وناشطيّ مدينة الرقة، وعدد كبير ممن كان التنظيم قد اختطف اأولادهم وأنكر وجودهم لديه، بإطلاقِ حملةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي كافة، لفتح هذه القضية ومحاولة منا للفت الانتباه إلى قضية أحبابنا الذين ابتلعهم الظلام”.
وتعبّر غدير عن أملها في الوصول إلى ومضة نورٍ تعيد الأمل إلى قلبها وقلوب الذين لا يعرفون مصير احبابهم مثلها. وقبل أن تسكت غدير تقول بصوتها الذي يعيقه الدمع: “عندما أتكلم عن فراس، أحس بألمٍ لم يسبق لبشرٍ أنّ أحسّه … أعذروني… ”
جلنار عبد الكريم (24 عاماً) من دمشق، تحمل إجازة جامعية تخصص تاريخ، تعيش حاليا في تركيا وتعمل في المجال الصحفي.