قصة النزوح المسيحي من تل تمر
شهدت الأيام الماضية عودة عشرات العوائل إلى قراهم في ريف تل تمر. وسجلت لجان تابعة لقوات الأسايش قبل أسبوع عودة أكثر من مئة عائلة إلى قراهم في منطقة الخابور. وتأتي العودة بعد أن تمكنت القوات المشتركة في الجزيرة (وحدات حماية الشعب، المجلس العسكري السرياني، قوات حرس الخابور) من تحرير قرى الخابور في ريف تل تمر شمالي شرقي سوريا من تنظيم داعش.
عن النزوح في أعقاب هجوم داعش على ريف تل تمر يقول إيلي إلياس أستاذ المدرسة في قرية تل سكرى “استيقظنا في الساعة الرابعة فجراً على أصوات القنابل، قررنا أن نصلّي في كنيسة القديس بيث خننيا القريبة من قريتنا كي لا تسقط القنابل علينا. إلا أن الحرب بدأت”.
يتابع إلياس سرد ما حصل معه “انهالت قذائف الهاون على قرية تل هرمز المجاورة. أنه تنظيم داعش. عرفنا ذلك من شعاراتهم التي كانوا يرددونها. كانت أعدادهم تتراوح بين 400 و 500 مسلح مع كامل. قصفوا تل هرمز من أربعة محاور. سقط بعض أبناء القرية قتلى. اعتقلوا عدداً من الشبان والشابات. حملنا السلاح، واختبأنا على ضفاف نهر الخابور، حتى لا يمسّوا أعراضنا بسوء. ولجأ إلينا فارون من قرية تل طويل المجاورة. كنا نريد الرحيل إلى الحسكة. وفي الصباح سمعنا صوت انفجار قوي، نظرنا فإذا الكنيسة قد سويت بالأرض”.
تقع قرية تل سكرى على ضفاف نهر الخابور، في ريف بلدة تل تمر ذات الغالبية المسيحية في محافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا. يصمت إلياس لبعض الوقت محاولاً استعادة أنفاسه المتصاعدة ثم يقول “البيت، والكنيسة إذا تهدما يمكن إعادة إعمارهما، لكن الإنسان إذا رحل لا يعود”.
وفي قرية تل تبشيش المجاورة لتل سكرى كانت السيدة هيلين تعيش مع زوجها وابنيهما إلى أن جاء فجر يوم الأحد 23 فبراير/ شباط. تحطمت نوافذ البيت من شدة القصف الذي انهال على القرية. حين بدأ السكان بالهرب، رفضت هيلين الخروج من القرية دون رفقة ولديها، وهما ضمن قوات حرس الخابور، التي أنشأها أهل القرى الآشورية في ريف تل تمر لحراسة قراهم من اللصوص وقطاع الطرق. إلا أن إصرار الزوج دفع هيلين للركوب في الحافلة مع الجيران، وخرجوا من القرية قبيل الظهر بقليل، تاركة خلفها زوجها وولديها.
تقول هيلين: “بقيت في الحسكة في ضيافة بعض المعارف لا أتناول طعاماً، ولا شراباً خوفاً على ولديّ. وفي اليوم الثالث تلقيت اتصالا من ابني بشرني فيه أنه نجح مع مجموعة من مقاتلي حرس الخابور من فك الحصار عن أخيه. تمكنوا من إنقاذه”. وأجهشت هيلين بالبكاء.
جوني زوج هيلين الرجل الخمسيني الذي يعمل في زراعة أرضه تولّى عنها الكلام: “لقد خطفوا الكثير من السكان بينهم نساء وأطفال. ولا سيما في قرية تل شاميرام، وتل هرمز، وتل الجزيرة، وتل خريطة، وتل مساس، ومغاص”.
ويلفت جوني إلى “عدد المهاجمين الكبير من تنظيم داعش على القرية، مزودين بالدبابات والمدافع والأسلحة الرشاشة، بينما لم نكن نملك سوى بندقيات روسية، فاضطررنا إلى الخروج من القرية”. ويضيف جوني “قصفوا قريتنا لمدة يومين، دمروا كنيسة مار توما، بعد أن استهدفوها بثلاث قذائف”.
يعتقد الكاتب السرياني حنا حنا عضو الجمعية الثقافية السريانية أن “تركيا تتدخل بصورة مباشرة، وغير مباشرة في الشأن السوري، واثبتت الأحداث الأخيرة أن للحكومة التركية يداً في العملية التي استهدفت قرى نهر الخابور”. رابطاً الهجوم على القرى الآشورية في تل تمر بما جرى من تهجير للآشوريين في سهل نينوى بالعراق قبل أشهر، وتحطيم الآثار الآشورية في متحف الموصل.