قذيفة واحدة حرمتني من أُحب
من حي السكري في حلب..صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
كانت حياتي هادئه وطبيعية. كنت أعيشُ سعيدةً مع عائلتي الصغيرة. كنا راضين بمنزلنا المتواضع. وكانت لدينا أرض صغيرة نزرعها ونعيش من محصولها. نزرع في الصيف، لنجني مؤونة الشتاء، ثمّ نزرع لنجني مؤونة الصيف…
كنت أعيش أنا وأمي وأبي وإخوتي، الكبير أحمد، ثمّ مريم والصغير توفيق. قريتنا الواقعة في ريف حماه، كانت تتعرّض في بداية الثورة للكثير من مضايقات نظام الأسد وشبيحته، لأننا وببساطة نكره الظلم.
بتاريخ ١٠ أيار/مايو ٢٠١٢، قام جيش النظام باقتحام القرية، فهرب أهلها تحت قصف المدفعية وقذائف الهاون. وبدأت رحلة الهروب…
اتجه بنا أبي نحو سهل الغاب في ريف حماه الغربي، إلى قرية الحويجة، وفيها بعض أقربائه. أعطونا منزلاً متواضعاً للغاية، أمامه قطعة أرض، صرنا نعمل فيها كي نعيش.واستمرّ بنا الحال على ذاك المنوال لأكثر من سنتين، بعيداً عن قريتنا وبيتنا، وحال الفقر يُضنينا نتيجة غلاء الأسعار وضيق العَيش.
أبي كان يقول دائماً أنّ المحنة ستنتهي، وسنعود لقريتنا. أمي كانت تبكي لابتعادها عن منزلها، فهو بالنسبة لها مملكتها. وأختي مريم، كانت دائماً حزينة لما وصلنا إليه من تشتُّت وضيق. أمّا أنا فكنتُ أقول أنّ ما باليد حيلة، لكنّ دمعتي كان سببها حنيني الدائم لذكريات منزلنا. الأفضلُ حالاً، كان أخي الصغير توفيق، دائم الإنشغال باللعب مع الأطفال، متناسياً ما نحنُ عليه من بؤس وضيق. وكان ينادي دائماً بشعارات الثورة، ظناً منه أنها لعبة.
في إحدى ليالي الصيف، بتاريخ ١٦ آب/أغسطس ٢٠١٤، كنا قد أنهينا عملنا في الأرض، وجلسنا نتناول الطعام أنا وعائلتي. وفجأة، سمعنا صوت قذائف مصدرها الحاجز المسمّى حاجز النحل في السقيلبية.
سقطت القذيفه الأولى بالقرب منا، فصرخت أمي خائفةً: ادخلوا إلى المنزل! أسرعنا بالدخول. صرنا في داخل المنزل… كل في اتجاه! ما هي إلا لحظات حتى سقطت قذيفة علينا!
علا الغبار في الغرفة التي تحولت ركاماً. نظرتُ حولي ولم أكن أعرف كيف أتحرك أو ماذا أفعل! ثمَّ هدأ الغبار، واتضحَ المشهد…
أمي كانت على الأرض تسبح بالدماء التي تغطي وجهها. أصابتها شظية في رأسها، سرقت منها الحياة. رحتُ باتجاهها، وأنا أصرخ: “أمي، لا يا أمي لا تموتي!”
ونظرتُ إلى يميني، وإذ بأخي أحمد وقد سقط أرضاً. كان قد أُصيبَ بشظية في صدره! ركضتُ نحوه: “أحمد لا تموت يا أحمد”!
أما أخي الصغير توفيق، فقد كانت القذيفة قد أصابته إصابة مباشرة، وجعلت منهُ أشلاءً مبعثرة!
فارقوا الحياة جميعاً…
أما أبي وأختي مريم، فقد كانت إصابتهما طفيفة… وأنا، كسرتُ يدي تحت ركام المنزل الذي غدا كوماً من الحجارة. هرع الناس إلينا… رأيتهم يسحبون جثتَي أمي وأخي، ويلملمون أشلاء أخي!
لحظات لا أنساها… قذيفة واحدة قرَّرَت مصيرنا، وحرمَتني ممن أُحب.
زهرة الغاب (16 عاماً) من ريف إدلب تحمل الشهادة الأعدادية وهي متزوجة. تبحث عن عمل لمساعدة زوجها على تحمل أعباء المنزل.