قاشوش حرستا… حين غنت المدينة للحرية

 رزان زيتونة

توقف المتظاهرون عن مسيرهم البطيء والمنتظم على ضوء الموبايلات، في المدينة الغارقة بالظلام. بدؤوا يهتفون باشتياق واحتفاء: أبو سعيد… (تصفيق)… الله يحميك…  (تصفيق)… قبل أن يعلن “الهتَيف” من على السوزوكي التي يعتليها مع عدَة الصوت، أن أبو سعيد “على الخط” عبر الموبايل… يلقي بالتحية لثوار حرستا… وهؤلاء ضجوا مرة أخرى بالتصفيق والهتاف… أبو سعيد… الله يحميك…

–          من هو أبو سعيد يا شباب؟

–          قاشوش حرستا… أيمن دحدوح… منشد الثورة في المدينة…  تطوع نحو عشرة شبان حولي بالإجابة.

كان يومها قد غادر منذ فترة قصيرة إلى الأردن، بعد أن أصبحت حنجرته من أشد المطلوبين في المدينة… اقتحام اثر اقتحام، ومداهمة اثر مداهمة، ومصادرة الذكريات وترويع لتفاصيل البيت الصغيرة.

“كان لدى قوات الأمن مشكلة مع البراد في بيت أبو سعيد… كلما داهموا منزله خلعوا باب البراد… مرة، مرتين، ثلاثة، حتى أصبحنا نطمئن منه عن باب براد بيته في كل إقتحام قبل السؤال عن أهله وعائلته”… يروي الناشط محمود مدلل، أبو مرشد، صديقه الأقرب في الثورة… وقيادة المظاهرات والملاحقات… والمداهمات… والأغاني… ومن شاركه كتابة كلمات أغنية:

 “سمَع سمَع سوريا… بشار فقد الشرعية”.

حرستا ارض الثوار وفيها مرابط الفرسان

منها صناع القرار هايدي الغوطة الشرقية

الشراكة بين صوت الأول وكلمات الثاني، أنتجت أجمل هتافات حرستا والغوطة.

بسم الله وايد بايد… وقبل الخبز الحرية

نادتنا أم الشهيد… سألتنا عن يوم العيد

قلنالا ماعاد بعيد… بكرة جاية الحرية

يقول أبو مرشد أن قاشوش حرستا كان بسيطاً وسعيداً بكل ما يحصل… سعيداً بالتغيير، وأنه كان هو نفسه من بين من غيروا وتغيروا في الثورة.

والقاشوش إشتاق في منفاه القصير للثورة وإشتاقت له… فعاد أدراجه مؤخراً… وماهي إلا أيام ثلاثة بعد عودته… في الخامس من الشهر الحالي، حتى دوهم المنزل الذي يتوارى فيه مع نشطاء آخرين… فخرج منه كما روى شهود العيان… ثلاثة أشخاص مقيدين يتعرضون للضرب المبرح… واثنان محملان على نقالة وقد أسبلت الأغطية على جراحهم وأعينهم المعصوبة بالأكياس البلاستيكية السوداء.

أعلن استشهاد أبو سعيد، وحدَت عليه زوجته وأطفاله الثلاثة وكل من أحبه، بناء على أوصاف شهود العيان للأشخاص الذين خرجوا على أقدامهم من المنزل، والتي لم تطابق مواصفاته، مما رجح أنه أحد الجثمانين الذين قدر لهما النجاة من جحيم الإعتقال، خاصة لنشطاء أمثال قاشوش حرستا…

هو ترجيح إذاً… حي أو شهيد… أو شهيد حي تحت آلة التعذيب… تصنيف قاشوش حرستا ورفاقه في قيود الثورة السورية.

يقول أبو مرشد، أن قاشوش حرستا شخص لا ينسى… حرستا لن تنساه. وكل من عرفه… وإن كان هنالك ما يراوغ هذا الألم الذي بات من الصعب التحايل على قسوته، فهو تلك القواشيش الشابة التي تغني للحرية على إيقاع ضحكات أبو سعيد، التي لا يزال صداها يسمع في أرجاء مدينة الزيتون، حرستا.