في طريق عودتي من جرابلس

هيّأت حقيبتي وحقيبة ابنتي في المساء، وبدأت استعد لصباح مشرق، اعود به إلى بلدتي الحبيبة.
كان زوجي يعمل في جرابلس، واضطررت للقدوم إلى عنده. كانت منطقة حدودية آمنة، عند حدود تركيا. تلك القريه الكبيرة أصبحت أشبه بروضة أمان للسوريين. الكهرباء والماء من تركيا والهدوء يعم أرجاء المكان.
إلّا أنني لم أحبّ العيش فيها، لم أعرف لماذا بدأت احسّ بالملل. وبعد صراع كبير أنا وزوجي، وخلافات كثيرة، قررنا العودة إلى إدلب .
بلدتي كرسعة، التي كنت بالأصل نازحة فيها آتية من حماه، أحببتها. هناك أصدقائي وأقربائي، أما هنا فلا أعرف احداً. وافق زوجي بعد ذلك على العودة. على أن يترك عمله ويعود الى اهله ويعمل مع أخيه في صالة للنت كان قد افتتحها اخوه بعد مغادرتنا إدلب .
لكن زوجي لن يستطيع العودة معي. سيذهب عن طريق تركيا الريحانية، ومن ثم يدخل خلسة إلى سوريا.
أحسست بالضيق جراء ذلك. يا له من ضيق انتابني دون أن أستطيع التراجع، بعد أن عزم زوجي على الرحيل.
خفت من العودة لوحدي مع صغيرتي إلى إدلب. ولكن ليس لدي من بديل. إما أن أذهب من تركيا بالتهريب وأنال مشقه كبرى، وإما أن اذهب لوحدي. قررت العودة وحدي ولن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا. كلمات كنت أرددها بيني وبين نفسي.
الحياه في جرابلس لا تطاق، الوحدة تقتلني. يذهب زوجي يومياً منذ الصباح حتى المساء، وأنا وحيدة مع طفلتي. لا أعرف أحداً هناك. ولا أجرؤ على الذهاب إلى أي مكان لوحدي .العودة إلى بلادي كانت الخيار الوحيد، وترك زوجي يذهب في طريق وأنا في طريق آخر، ولكنه فراق مؤقت .
نمت ليلتها أحمل همّا كبيراً، ولكن دون أن أبدي ذلك لزوجي. استيقظت عند الساعة الخامسة صباحاً، كان الباص الذي سيقلنا قد وصل. ودّعت زوجي بعينين دامعتين، قد يغيب عنا فترة لا بأس بها .وسنجتمع عمّا قريب في منزل بيت عمي في القرية.
كانت السماء صافية، يتخلل الطقس بعض البرودة، ومع بزوغ الشمس الدافئة كان المشهد رائعاً. ولكن مخيلتي كانت ترسم لي أجمل من تلك المناظر. كانت ترسم لي فرح اللقاء.
على الباص بجانبي امرأة معها طفلين، كانت كئيبه جداً، لم اكلمها. أحسستها انطوائية، لم ارد التطفل عليها. ابنها الصغير أرهقه السفر فبدأ بالغثيان. اعطيتها كيساً فارغاً من حقيبتي وبعض المحارم الجافة .قامت شكري بابتسامة صفراء.
سألتها بفضول: “من أين أنتِ؟”
أجابتني: “من ريف حماه”.
أخبرتها أنني من هناك أيضا. وهندما سألتها عن عدم وجود زوجها معها، أخبرتني أنه تزوج بأخرى، وطلّقها، وهي تعود إلى بيت أهلها ومعها أطفالها. علمت سر حزنها. سكتت هي الأخرى ولم تتكلم معي ثانية .
وبينما كنت أنظر إلى تفاصيل طفليها الجميلين توقفت الحافلة، واذا به حاجز. للوهلة الأولى لم أعلم حاجز ماذا. إلى أن قال لنا السائق: “أعطوني البطاقات الشخصية، انه حاجز ميليشيا كردية”. علمت حينها لماذا زوجي لم يستطع العودة معي. إنها الحواجز التي كان يخشاها على كثرتها.
كان الطريق طويلاً جداً، وقبل المساء وصلنا إلى حاجز معرة النعمان. كان آخر حاجز، قام عناصره بدورهم المشابه لآدوار غيرهم ممن سبقوهم. ومضينا، في الساعه الخامسة مساء وصلت إلى قريتي بعد سفر دام 12 ساعة، أشبه بدوران حول أنفسنا.
ارتحت جداً عندما رأيت زوجه عمي وعمي وبنات عمي، احتضنتهم ونسيت تعب الطريق .اتصلت بزوجي حال وصولنا، وأخبرته أننا قد وصلنا، وأخبرني أنه في الصباح سيبيع جميع أغراضنا، ويأتي عن طريق تركيا .
كلمته في النهار الثاني، أخبرني أنه اصبح على الأراضي التركية، وانه سيقضي ليلته هناك، وفي غضون أيام سيكون معنا. وبعد أيام عاد زوجي، وسكنت معه في منزل عمي. أخبرته عن رحلتي ووعدته اني لن أترك إدلب مرة اخرى.
شيماء الفارس (23 عاماً) من ريف حماه الغربي خريجة جامعية، أم لطفلة.