فنانون سوريون على “طريق” الثورة أو على “طريق” الأسد

تكاد لا تخلو صفحات التواصل الإجتماعي فايسبوك من تعليقات مؤيدة للنظام السوري أو معارضة لجرائمه بحق المدنيين العزل، وربما شملت تلك التعليقات جميع الشرائح الإجتماعية في سوريا. والمعادلة واضحة هذه الأيام، مع أو ضد.

الفنانون السوريون ليسوا خارج هذه المعادلة. الممثل جلال الطويل على سبيل المثال اشترك في تشييع طفل سقط شهيداً في حي الميدان في دمشق. وكذلك فعل قبله الممثل فارس الحلو حين زار أكثر من عزاء لشهداء سقطوا في دمشق برصاص الأمن السوري. وكذلك فعل الفنان محمد آل رشي، وتبعه في ذلك وفي تظاهرات حمص الفنان نوار بلبل. فالشخصيات التي “كانت” للفنانين هذه المرة هي حقيقية وغير متخيلة، لا تحتاج إلى توجيهات وتعليمات المخرج. فالمخرج هنا هو ضمير الشارع السوري، والعرض يقدم دون مونتاج.

ويبدو أن الفن والفنانين أصبحوا جزءً من الحراك الشعبي، فليس من المستغرب أن ينشأ معارضون سوريون صفحة على موقع “فايسبوك” تضم أسماء عشرات الفنانين السوريين في إطار ما سمي ب”قائمة العار السورية ـ سوريون ضد الثورة”. وتشمل القائمة شخصيات أيدت علناً النظام السوري. عشرات الفنانين “غصت” بهم هذه القائمة منهم الممثلة سلاف فواخرجي والمغني جورج وسوف والممثل الشهير دريد لحام حيث اعاد هؤلاء رواية النظام بأنه يتعرض لمؤامرة أكثر من مرة على شاشات التلفزيون الرسمي.

كما أطلق أيضاً مجموعة من المعارضين السوريين مؤخراً ما سموه ب”قائمة الفنانين السوريين الشرفاء”، ونشروا صورة تتوسطها الفنانة مي سكاف وقبلها صورة للفنانة منى واصف، وحولها كل من الفنانين جمال سليمان، كندا علوش، وأصالة نصري، ويارا صبري، وريما فليحان والكاتب والناقد حكم البابا والمخرج محمد ملص ومحمد أوسو. وطالب بعض المعلقين في صفحة “الشرفاء” بإخراج الفنانة ميادة حناوي من القائمة الجديدة، لأنهم كانوا قد نشروا لها موقفاً تقول فيه “لحم كتافي من خير سوريا الأسد”.

جمال سليمان ضد الشبيحة وضد العصابات

وانهالت تعليقات مؤيدة للممثل جمال سليمان على صفحة الموقع، بعد أن كان اسمه مدرجاً في قائمة “العار” بداية الثورة وقال أحد المعلقين: “تحية للفنان جمال سليمان الذي غّير موقفه مما يحدث في سوريا، بعد أن كان يرفض الثورة في البداية. سليمان يدعم مطالب الشعب وهو مع الثورة. فتحية له، ونتمنى أن ينسحب ذلك على كل الفنانين السوريين”.

لكن جمال سليمان تفاجأ بوضع اسمه في القوائم، كما أخبرنا، رغم أن موقفه واضح مما يحدث في بلاده. وقال: “موقفي هو دعوة للإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي والقانوني في سوريا، وأعتقد أن هذه الدعوة هي استحقاق لا يمكن أن نحيد عنه في سوريا”.

وانضم جمال سليمان مؤخراً إلى مبادرة وزير الإعلام الأسبق محمد سلمان التي تطرح حلاً للأزمة السورية وكان سليمان قد طالب ومنذ سنوات بتغيير أو تعديل المادة الثامنة من الدستور السوري التي تنص على أن حزب البعث هو قائد للدولة والمجتمع. واليوم يؤكد سليمان رفضه لأي تدخل خارجي في سوريا، و يرفض في المقابل العصابات المسلحة والشبيحة في آن معاً، كما يرفض التخوين من قبل كل الأطراف. والحل يكون، حسب ما قال، عبر الحوار الحضاري والسلمي، بعيداً عن الشعارات الطائفية.

وتوجه القائمون على صفحة “الفنانون السوريون الشرفاء” بنداء إلى الفنانين السوريين دعوهم فيه الى أن يتخذوا موقفاً مشرفاً مما يحصل في سوريا، وأن يساندوا الشعب والثورة.

إذا هي قوائم “للعار” وأخرى “للشرف” وعشرات الفنانين يلوذون بالصمت اليوم تجنباً لتصنيف القائمتين، وما سيترتب عليهما، على الأقل في الظروف الراهنة. وكشفت نقابة الفنانين السوريين عن وجود أكثر من ثلاثين فناناً خارج الأراضي السورية بقصد “العمل” كما قالت، فيما يرى الكثير من المتابعين “لحركة” المواقف أنهم خارج سوريا خوفاً من النظام.

الممثلة والمعارضة السورية مي سكاف التي تتوسط صورتها “لوغو” صفحة “الفنانون السوريون الشرفاء” قالت في أكثر من مناسبة: “ان الشعوب العربية لم تعد تحتمل القمع والديكتاتورية وان الحرية هي مطلب كل شعوب العالم وليس الشعوب العربية وحدها”. واضافت إن الشعوب العربية قد مرت بظروف سياسية واقتصادية ادت الى نضوجها لتقول “لا للاستبداد”. وأعلنت سكاف انحيازها الكامل للشعب السوري وحراك شارعه السلمي، وكذلك فعلت الفنانة فدوى سليمان التي وصفت النظام “بالمجرم” في عزاء للشهداء في حي برزة البلد في دمشق. سليمان أخبرتنا أنها مازالت على موقفها من النظام، و أنها اليوم متخفية خوفاً من البطش الذي قد ينالها جراء مواقفها المؤيدة للثورة لا بل لمشاركتها في حركة الشارع بشكل عام.

صراع بين الفنانين

لم يقتصر تصنيف الفنانين ما بين “عار” و”شريف” على صفحات شبكة التواصل الإجتماعي بل إمتد الصراع إلى ما بين الفنانين انفسهم. الممثلة السورية رغدة وهي مصنفة في قائمة “العار” كونها وصفت الحراك الشعبي في سوريا أنه “مؤامرة” هاجمت المطربة اصالة نصري عبر الصحافة وقالت إن اصالة يجب أن تكون في “المرجة” تلك الساحة التي اشتهرت بدمشق بوجود فنادق يكثر فيها العاهرات فيما مضى، وذلك لموقف اصالة المؤيد للثورة، و كذلك هاجمتها الفنانة لمى ابراهيم وهي مصنفة بقائمة “العار” وطالبت بسحب الجنسية السورية من أصالة بسبب انتقادها لبشار الأسد.

وطلب القائمون على قائمة “عار” من مسؤولين عن قطاع الانتاج في مصر عدم تشغيل أي فنان سوري يقف ضد الثورة. وامتدت تهم العار والشرف إلى خارج سوريا، وخصوصاً لبنان. فُوضع الفنان أيمن زبيب في قائمة العار ومعه ملحم زين ووديع الصافي وعاصي الحلاني، واُتهم هؤلاء بتأييد النظام ووقوفهم ضد الثورة، و تحديداً بعد ما غنى بعضهم للأسد.

يمكننا تفسير تصنيف الفنانين السوريين ما بين قائمتي “العار” و”الشرف” كوجه آخر من علاقة الفنان بجمهوره. فإذا كان الفنان ومن خلال أعماله الدرامية أو الموسيقية يشتغل “لجمهور” فهذا الجمهور هو الذي يحدد اليوم مدى مصداقية الفنان وعلاقته معه. وعلى ما يبدو فإن الشعب أو الجمهور يريد فناناً يحمل همه ويدافع عن قضيته وأن لا يغني فوق دمه.