فقدت عائلتها في صراع النظام والمعارضة
بعض أهالي ريف ادلب يقومون بإزالة انقاض ومخلفات القصف وإصلاح محلهم التجاري لاعادة تاهيله والعمل به
"نكمل حياتنا وقد فقدت عائلتي في صراع النظام والمعارضة. أتمنى ان يسقط النظام ويخرج اولادي من المعتقل ونعيش بأمان."
تتكون عائلتي من خمسة أولاد وابنتين زوجتهم جميعاً وبقيت مع زوجي في المنزل لوحدنا ننتظربفارغ الصبر حتى يأتي أحد منهم مع أولاده لنقضي النهار سويةً ويصبح أجمل بقدوم يوم الجمعة عندما يجتمع جميع الأبناء والأحفاد عندنا.
ولدي الكبير إبراهيم كما أخيه علي كانا ضابطين في الجيش السوري. اما محمد فكان يعمل في مصنع خاص بمدينة ادلب وأحمد يعمل بالحدادة والصغير حسن يعمل في سوبرماركت، ابنتي سحر تعمل كمعلمة ومريم ممرضة، والحال لدى الجميع مستورة.
بدأت معاناتنا مع بداية الحراك واندلاع المظاهرات المطالبة برحيل بشار الأسد. لم أعد استطيع رؤية إبراهيم وعلي لانهما في مدينة حلب. كنت اتحدث إليهما في بداية الأمر بأن عائلتكما هنا تعالوا إليهم ولا تعودوا الى النظام. إنه يقصف المدنيين ويقتل الأطفال الأبرياء.
ولكن ولديّ كانا مقتنعين بنظرية النظام المفترضة وهي وجود إرهابيين في المنطقة. و ذات صباح استيقظت على خبر أنهما أخذا عائلتيهما ولا يريدان العودة إلينا أبدا .
بالمقابل كان ولدي أحمد يشارك في المظاهرات، ويذهب للتصدي لجيش الأسد اثناء اقتحام أي بلدة ويقول لي دوماً: يا أمي ابراهيم وعلي هما الآن بمثابة أعداء لنا، لايريان ما يجري هنا يتابعان الأخبار الكاذبة والمفبركة.
هذا الكلام في بداية الأمر كان يؤلمني ويحفر في قلبي. كنت أقول لنفسي أنهم جميعاً اولادي ولا يمكنني أن أكره احدهم أبداً، وسيأتي اليوم الذي يعودان فيه إلينا.
في أحد الأيام جاءنا خبر إعتقال محمد الذي كان يساعد جندي في جيش النظام على الانشقاق. كشفوا امره واعتقلوه وهو في عمله. ترك لنا زوجته وبناته يسكنون بالقرب منا.
اتصلت بإبراهيم واخبرته عن اعتقال أخيه. وفجاة انقطع الاتصال، عاودت الاتصال به فطلب إلي ألّا أتكلم بالموضوع معه. فقلت له: “إن لم تاتِ حالاً لست أمك ولست ولدي”.
اتصلت بأخيه علي علّه يستجيب، وقلت له نفس الكلام ولكن دون جدوى. كان كلامهما متشابه بأن أخاهما محمد أخطأ ويستحق ماجرى له، هنا لم أعد أكلمهما وانقطع بيننا كل شيء.
ذهبت بعدها كي أسال عن محمد في سجن ادلب فمنعوني من مقابلته وهددوني بوضعي معه. اقلت لهم لاحول ولا قوة إلا بالله إذا كان ولديّ من لحمي ودمي لم أرَ منهما خيراً فكيف بكم أنتم. حسبنا الله ونعم الوكيل .
وبعد اعتقال محمد بستة اشهر وقعت معركة كفرنبل التي أخرجت قوات الأسد. وخسرت خلالها أحمد وحفيدي مصطفى ابن سحر. كان وقع الخبر علينا كالصاعقة، ترك احمد خلفه خمسة أولاد وزوجته. أمّا مصطفى فترك ورائه زوجته التي تنتظر قدوم مولودها الأول.
بعد مضي فترة لاتتجاوز العشرين يوما هاجرت ابنتي مريم وعائلتها الى اوروبا بسبب خوفهم الشديد من القصف. تركت مريم فراغاً كبيراَ في قلبي لأنها الصغيرة المدللة عندي انا ووالدها وحتى الان لم نرها .
ذات يوم كان حسن يحاول زيارة أخيه محمد في المعتقل، لكن لسوء الحظ وحتى تزيد المأساة اعتقلوه هو أيضا عند أول حاجز على طريق ادلب. ولا خبر عنه سوى أنهم نقلوه إلى دمشق اثناء تحرير ادلب وانقطعت اخباره كما اخبار محمد.
كان الجميع يسألني: لماذا حتى الآن يا أم ابراهيم لم يترك ولداك النظام؟ ماذا تنتظرين بعد اثنين في المعتقلات وشهيدين وتهجير و…….أذكر يوماً نظرت إلى السائلين والدمع يملأ وجهي وقلت لهم: “منذ أكثر من سنة لم أكلمهما، ولا أعرف عنهما أي شيء ولا ينقصني كلامكم، لأنكم لا تعلمون النار التي تحرقني”.
ذات يوم نظرت حولي ولم أر سوى زوجات أولادي الثلاثة وزوجة حفيدي مصطفى كنا نجلس وزوجي يقول: ليت الزمان يعود بنا للماضي كي أرى جميع ابنائي من حولي. لقد تفرقوا ولانعرف عنهم أي شيء. اثنان مع النظام واثنان بمعتقلات النظام وشهيدين عند ربهما وسحر التي تنتظر العوض من ربها بعد فقدان ابنها الوحيد ومريم التي ذهبت الى اوروبا”.
وأضاف زوجي: “أخشى اننا سنموت ولن نرى أحدا منهم. ما رأيك يا أم ابراهيم في حياتنا التي كانت جميلة بوجودهم، والآن لا طعم لها، ولا أرى فيها شيئاً جميلاً”.
قلت له: “لقد أبكيتنا جميعاً، ويكفي انك بجانبنا”. ضحك بحسرة وقال: “لا أستطيع حمل همومكم مجتمعة. لقد كسرتم ظهري، وقلبي لم يعد يحتمل”. ثم خرج مسرعا وهو يذرف الدموع.
أذكر يومها وبعد مغادرة جده قال لي حفيدي وهو يبكي: “ماذا بعد يا جدتي اكثر من هذا؟ لم نعد نرى اباءنا ولا اعمامنا ونعيش بانتظار من يحنو علينا كي نكمل الحياة. لا اريد هذه الحياة اريد ان ألحق بعمي أحمد لان حياة الاخرة أفضل. أسرعت وحضنته ونحن نبكي ونقول الحمد لله على كل حال.
نكمل حياتنا وقد فقدت عائلتي في صراع النظام والمعارضة. أتمنى ان يسقط النظام ويخرج اولادي من المعتقل ونعيش بأمان.
تلك قصة أم ابراهيم التي تنتظر الفرج بفارغ الصبر، وتتمنى ان تنتهي حقبة حكم بشار الأسد والإفراج عن ولديها وفك اسر جميع المعتقلين ….
صفاء الفرحات، متزوجة وزوجها كان مدرّساً، لكنّ النظام فصله عن عمله منذُ بداية الحراك، ولديهما ثلاثة أولاد. يسكنون جميعاً في غرفة واحدة، وتسعى صفاء للعمل من أجل تأمين مصروف العائلة ودفع علاج إبنها المريض.