فرض مناهج كردية يهدد جيلاً سورياً بأكمله
"إنّ موضوع التعليم في منطقة الجزيرة السورية، بات من أكثر المواضيع التي تقضّ مضجع الأهالي القلقين على مستقبل أولادهم ويجدونه ضبابياً"
عقب انطلاق الثورة السورية، عمدت الادارة الذاتية في محافظة الحسكة عبر هيئة التربية والتعليم إلى فرض نفوذها على المدراس الابتدائية بشكلٍ تدريجي، ومنعت تدريس مناهج التربية السورية، واستبدلتها بمناهج خاصة بها، ودرّبت مدرسين لهذه الغاية.
وانقسم الشارع في المحافظة لقسمين، بين مؤيدٍ للقرار ورافضٍ له، فقد لاقى القرار استحساناً عند مؤيدي الإدارة الذاتية، وبالمقابل لاقى رفضاً شديداً من باقي المكونات، وخاصةً العربية منها، بالإضافة لاستنكار فئةٍ كبيرةٍ من الأكراد لهذه المناهج، متذرعين بقلقهم على مستقبل أولادهم، اضافةً لعدم الاعتراف بهذه المناهج والشهادات الناتجة عنها، من أي جهة رسمية، محلية كانت أو دولية.
والد أحد الطلاب ويدعى شيار (47 عاماً)، يقول لموقع حكايات سوريا: “ما من أحد يكره لغته الأم التي حرم منها لعشرات السنين، في الماضي كنّا نحلم أن نتحدّث ونتعلم بلغتنا، والآن هاهي الفرصة قد سنحت لنا لنحقق هذا الحلم، ولكن إلى أي حد تستطيع هذه اللغة أن تُلّم بجميع الكلمات والمصطلحات”.
ويضيف شيار: “لن يستوعب الطالب هذه المصطلحات لأنها غريبة عليه، فولدي أحد المتفوقين في صفه ولديه إلمام جيد باللغة الكردية، إلا أنها ستكون صعبة في مرحلة متقدمة من الدراسة”.
نصار 39 عاماً من جهته يعتقد بأنه “يجب أن يتم فصل العملية التربوية، عن التجاذبات السياسية التي كادت أن تأتي على كل شيء، حتى العلم والتدريس ومستقبل الأطفال، ومن حقّنا أنّ نعلّم أطفالنا اللغة الكرديّة”.
ويتابع نصار قائلاً لحكايات سوريا: “كانت اللغة الكردية عدوة النظام السوري لعقودٍ خلت، وعانينا نحن الأكراد الكثير لتعلمها ونريد أن يتعلمها أبناؤنا، وها قد أتت الفرصة المناسبة، ويجب أن نغتنمها”.
في مطلع العام الدراسي 2017-2018 ، أصدرت هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية، قراراً تعلن فيه عن إدارتها لكافة المدارس الموجودة في مقاطعة الجزيرة. متجاهلةً بقرارها المدارس الخاضعة لسيطرة النظام السوري في الحسكة والقامشلي وما يتبعها من مدن وقرى.
وأوضحت الهيئة في قرارها، أنّه سيتم تدريس مناهج الإدارة الذاتية في المرحلة الإعدادية، وانها ستعمل على تدريس مناهجها للمرحلة الثانوية كخطوةٍ مستقبلية.
كما ألحقت قرارها الأول بقرارٍ آخر، أعلنت فيه اغلاق جميع المعاهد الخاصة التي تدرس مناهج التربية السورية، للشهادتين الإعدادية والثانوية، ومنعت الدورات الخاصة في البيوت، تحت طائلة المحاسبة بالسجن والغرامة للمعلمين، وأعلنت عن تكفلها بفتح مراكز للدورات الخاصة لمنهاج المرحلة الثانوية مجاناً للطلاب.
خرجت مظاهرات عدّة إثر صدور هذه القرارات، شارك فيها معلمون وطلاب وأولياء أمورهم، في محافظة الحسكة وجميع المدن التابعة لها، طالبوا فيها بإعادة تدريس المناهج السابقة، واعادة فتح المعاهد الخاصة.
لاوندوهو طالب في الشهادة الثانوية يقول: “إنّ الدورات في المعاهد الخاصة التابعة للإدارة الذاتية مجانية، إلا أنّ الكادر التدريسي ليس جيداً” ويتابع “لاوند: “إن أغلب مدرسيّ الادارة الذاتية لا يحملون الشهادة الاعدادية، لكن الادارة الذاتية اخضعتهم لدوراتٍ لتأهيلهم للتدريس في المدارس التابعة لها، لذا أنا كطالب في المرحلة الثانوية، أرفض أن اتتلمذ على أيدي مدرسين ليس لديهم الكفاءة للتدريس أساساً، فكيف لمن وصل للشهادة الثانوية مثلي”.
بدورها المعلمة مي سليمان (30 عاماً) تقول: “إنّ تحويل المنهاج للغة الكردية لن ينجح، لأنه ليس لدى الطالب الكردي أي أساس لغوي، وفي هذه الحالة، سيدرس الطالب المنهاج بلغة لا يعرف أغلب مصطلحاتها”.
المدرس مؤيد العلي (44 عاماً) يعتقد “أن ما نعاني منه حالياً، ليس عدم تقبل الطلبة للمناهج الجديدة، انما هو عناد أولياء الامور، الذين يرفضون أي تعاونٍ معنا، ويحاربون المنهاج الجديد، ولا سبيل لوجود تنسيق بيننا لصالح الطلبة، إن استمر الأمر كذلك”.
وبحسب مصادر محلية، فإن القرار طُبقَ على جميع المدارس الخاضعة لسيطرة الادارة الذاتية، في الحسكة والقامشلي وعامودا الدرباسية والمالكية ورأس العين ورميلان وتل تمر والجوادية، وباقي القرى الصغيرة، أما مدينتي عين العرب وعفرين فقد تم تطبيق المنهاج فيها للحلقات التعليمية الثلاث منذ بداية العام الدراسي الماضي.
إنّ موضوع التعليم في منطقة الجزيرة السورية، بات من أكثر المواضيع التي تقضّ مضجع الأهالي القلقين على مستقبل أولادهم ويجدونه ضبابياً، مما دفع الأغلبية الكبرى منهم للهجرة إلى خارج البلاد، لتأمين مستقبل واضح المعالم لأبنائهم.