فرح بطعم الخوف
أعلنت معركة إدلب، وبدأت دقات قلوبنا تزداد خفقاناً وحماساً وأملاً بالتحرير. وأخذ الرعب أيضاً يغزو قلوبنا خوفاً على أهلنا المحاصرين داخل المدينة في هذا الصراع القائم بين جيش الفتح وجيش النظام.
يوم الاثنين 23 آذار/مارس 2015 بدأ المجاهدون يدكّون الحواجز المحيطة بالمدينة. جلست أتابع الأخبار على التلفاز، وأقلّب صفحات الانترنت والفيس بوك، وأتواصل هاتفياً مع بيت أخي لأطمئن عنهم وأنقل لهم بعض الأخبار حيث لا يوجد عندهم لا تلفاز ولا أنترنت ، فقط أصوات قصف وإطلاق رصاص.
كانت الأخبار تتواتر بكثرة عن الانتصارات والإنجازات السريعة للمجاهدين بشكل لا يصدق، وأخبار أخرى تحكي عن استشهاد مقاتلين على الجبهات وقتل مدنيين أبرياء في هذا الصراع.
وفي اليوم الرابع عند الظهيرة، كنت أحادث اخي على الهاتف، وأثناء الإعلان عن سيطرة جيش الفتح على مركز البريد، تم قطع كافة الاتصالات عن مدنية ادلب. زاد الرعب في داخلنا فلم يعد هنالك أي وسيلة اتصال لنطمئن على عائلة أخي. ولم يتبق لدينا سوى الدعاء لهم ولجميع أهلنا هناك. حتى أخبار الفيس بوك باتت غير شافية لحالة الرعب والمجهول التي عشناها، حتى تاريخ إعلان تحرير مدينة إدلب.
يوم السبت 28 آذار/مارس 2015، استيقظنا في سلقين على أصوات التكبيرات تعلو من مساجد مدينتنا فرحاً بالانتصار العظيم. إلّا أن فرحنا لم يكتمل بعد، فما من أخبار مؤكدة عن حال المدنيين يطمئن قلوبنا. وقد امتزجت دموع الفرح بدموع الخوف من المجهول المخبّأ هناك. ساعات قليلة وسمعنا مكبرات المساجد تنادي الأهالي بأن ينتقلوا بسياراتهم لإجلاء ذويهم والأهل على أطراف مدينة إدلب بأسرع وقت، خوفاً من حدوث مجازر إثر قصف طيران النظام الذي لم يهدأ منذ بدء المعركة. فما كان عليّ إلا ان استأجر حافلة الركاب الصغيرة العائدة لجارنا لآتي بهم هنا.
لم تجف دمعتي طوال الطريق وانا أفكر في مصيرهم، كنت أراقب كل السيارات والحافلات القادمة من هناك علّني ألمح وجه أحد أعرفه فيها. وصلنا مدخل مدينة إدلب كان هناك الكثير من الحواجز وقد منعونا من الدخول. كان علينا ان ننتظر هنا فالمدينة غير آمنة بعد، ولازال عناصر جيش الفتح يمشطون آخر ما تبقى من منطقة المربع الأمني حيث منزل أخي. لم أستطع الانتظار، قررت مواجهة الخطر حتى أصل داخل المدينة. وأقنعت سائق الحافلة بالمضي من طريق آخر رغم الخوف الذي لم يفارق وجهه. سلكنا طريقاً طويلة حتى وصلنا منطقة حي الثورة، وأصوات طلقات الرصاص الدبابات تصدح من بعيد. هنا كانت نهاية المطاف، فقد منعونا من استكمال الطريق الى مركز المدينة. واضطررنا إلى مغادرة المنطقة.
في طريق العودة إلى سلقين سمعنا صوتاً ينادي: “وقف، وقف الله يخليك”. كان رجل بحاجة لمن يقله هو وعائلته خارج المدينة، أرشدنا إلى مكان إقامته. بدأ الأطفال والنساء بالصعود إلى الحافلة، فقد كانوا 7 أطفال و6 نساء ورجلين و امرأة عجوز. طوال الطريق كانت المرأة العجوز تحادثني وتسألني “أين نحنا وأين وصلنا؟” أخبرتني انها لم تخرج من مدينة إدلب منذ سيطر جيش النظام على المدينة. فهي لا تستطيع المكوث طويلا على حواجز التفتيش بسبب مرضها وعجزها.
شعرت بالفشل والإحباط لأنني لم أصل إلى هدفي، لكنني تفاءلت قليلاً فقد استطعت وبالصدفة أن أساعد عائلة أخرى. كلّي أمل أن أصل الى المنزل وأرى عائلة أخي هناك. وصلت المنزل وقد استقبلتني أمي بالدموع، فقد كانت هي الأخرى قلقة على اخي وعليّ أيضا. أتى اليوم التالي بعد ليلة تعبت فيها اعصابنا من الانتظار والدعاء حتى الظهيرة، وإذ بسيارة أجرة تتوقف أمام المنزل حاملة أخي وعائلته، بخير وسلام والحمد لله.