عوّضني الله بإبني عامر
سيارة عامر لنقل البضائع الموسمية مصدر رزقنا تصوير سما بيطار
عندما سيطرت المعارضة على مدينة إدلب في آذار/مارس 2015، صعّد النظام من حدة قصفه للمدينة، لخروجها عن سيطرته. البراميل والصواريخ دمّرت الكثير من المباني السكنية والمحلات التجارية، والأصعب، أنها أودت بحياة الكثير من الأبرياء.
وأنا وعائلتي، لم نكن أوفر حظاً من الآخرين، فقد طالت قذيفة عمياء دكّان زوجي. الدكّان كان مصدر رزقنا، وكان زوجي أبو عادل (65 عاماً) يجلس فيه برفقه إبننا البكرعادل (25 عاماً)، من الصباح حتى نهاية اليوم سعياَ لتأمين لقمة العيش، التي تزداد مرارتها نتيجة الحرب.
تلك القذيفة لم تُصب الدكّان فقط، الذي أصبحَ رُكاماً، بل أزهقت روح زوجي سندي، وروح إبني عادل أكبر أبنائي وفلذة كبدي. حينها شعرتُ أنّ الدنيا أظلمت في عينَي، وكذلك الدار، ولو أشعلت فيه كلَّ المصابيح!
مرّت الأشهر والحزن يزداد، والألم يمضي في القلب كأنه السكّين. مع بقية أبنائي عشتُ من نزوح إلى نزوح كحال غيرنا من أهالي إدلب… لأصحو في نهاية المطاف على حقيقة لا بدّ من استيعابها… الحياة يجب أن تستمر مهما كانت صعبة.
لا أنسى كلمات الجدة أم عبد الكريم، التي كانت تقول لي: “ليس محزناً أن تقع على الإنسان مصيبة، فتلك هي الأقدار المكتوبة… لكن من المحزن اليأس والتسليم للألم وألا نستطيع تحمُّل المصائب”.
نعم مصيبتي كبيرة جداً، فقدتُ زوجي وإبني ومصدرَ رزق أبنائي، أي الدكّان… لكن ستستمرُ الحياة. والمعضلة، كيف أعيش أنا وبقية أبنائي الأربعة؟
معظم الأعمال توقفت في المدينة، وزادت نسبة البطالة بشكل كبير جرّاء الحرب الشنيعة التي يشنُّها النظام… شجّعتني جارتي أم محمد (55 عاماً)، حين افترشت لابنها الملابس المستعملة على الرصيف. ما يوفّر لهم في آخر النهار مبلغاً من المال يُسهم في تأمين احتياجاتهم الأساسية في ظل فقدان كل شيء.
وأنا كنتُ قد ادّخرت أساوري الذهب، وكان ذلك بدفعٍ من زوجي بألا أبيع أساوري التي أهداني إياها في يوم الزفاف… حتى مع تدهور حالنا، رفض بيعها. وكأنهُ يعلم أننا سنصل لمثل هذه الأيام.
ساعدني شبّان من المدينة، واشتروا لابني عامر (18 سنة) سيارة نقل صغيرة، بثمن الأساور. وها هو عامر، يتنّقل ببضاعته الموسمية في الطرقات. راجياً من الله أن يعود في آخر النهار وقد باع كل ما لديه ليُطعم أخوته الأيتام في المنزل.
كبُر عامر قبل أوانه واشتدّ عوده النحيل، وبعينيه الحائرة ينظر كل يوم للدكّان المهدم، حيث كان يجلس أبوه وعادل. وبلسان فيه الحزن والتصميم معاً، يقول: “سيأتي اليوم وأسعى لإعادة بناء دكّان والدي… ولن نترك أرضنا”.
لقد عوّضني الله بعامر، وأدعوه أن يحميه ويحمي بقية أبنائي.
سما بيطار (41 عاماً) من إدلب، حاصلة على الشهادة الثانوية. متزوجة وأم لأربعة أبناء. عملت في جمعيات خيرية لمدة عشر سنوات.