عملي رسالة قبل أن يكون مصدر رزق
رولا الرفاعي خلال عملها على تقويم النطق
تعيش رولا الرفاعي في حي الإنشاءات في المدينة… حاصلة على شهادة بكالوريوس تربية قسم رياض أطفال من جامعة دمشق… تحمل شهادة الدراسات العليا من جامعة هارفارد والأكاديمية البريطانية العربية تخصص التخاطب والنطق وعيوب الكلام وتنمية المهارات وتعديل السلوك.
مع بدء الحراك الثوري في حمص، استمرت في عملها. بالرغم من الاستدعاءات الأمنية المتكررة، وبالرغم من اضطرارها مجبرةً مع ابنتها في ما بعد إلى ترك منزلها بسبب قذائف الهاون العشوائية على المكان .كل هذا لم يثنها عن مواصلة عملها.
أغلب الأحيان تعمل بشكل تطوعي لتساعد اطفال حمص الذين تعرضوا لكل ويلات الحصار. تدعمهم بخبرتها على تجاوز الرعب والفقدان. كانت تشعر أن الحياة باتت محدودة في مدينتها الصغيرة. لكنها وبقوة عزيمتها، لم تكن لتقبل أن يصل اليأس إلى عتبة منزلها. تحدت كل الظروف واستمرت بعملها.
تقول رولا الرفاعي: “كان لدي طفلتي، تكبر أمامي بصمت. تتابع التلفاز والشارع وتشعر بالخوف من كل ما يجري حولها. لكني كنت أريدها عندما تنظر إلى عيني وتهرع إلى حضني أن تكون قوية. فلا مكان للضعيفات في بلادي”.
عن طبيعة عملها واختصاصها تشرح الرفاعي: “طبيعة عملي قائمة على تقييم الحالة أولاً، ودرجة الأذى التي وصل إليها الشخص أو الطفل. فالمرضى لدي ليسوا أطفالاَ فقط. أمراض اللغة متعددة وأعالج طبقاً لمشكلة النطق والصوت. من حذق وتلعثم ولدغة. أغلب الحالات التي أعالجها لأطفال حينما يتكلمون يتوقفون فجأة وينسون الحديث الذي بدأوا به. ولا يكون لديهم القدرة على إكمال الحوار”.
وتلفت رولا الرفاعي إلى “أن السبب غالباً يكون ناتجاَ عن صدمة قوية أثر ضغط أكثر من قدرة طفل أو شخص على التحمل. قد يكون فقدان الأب أو الأم أو موت شخص ما أمامهم بطريقة مخيفة، أو مشاهدتهم لمنظر دموي أو تفجير… وما أكثرها مشاهد الرعب والخوف التي مر بها أهل حمص” .
وتتابع الرفاعي بالقول: “بالإضافة إلى وجود حالات خلقية في الأصل. كـاضطراب طيف التوحد ومتلازمة دوان والشلل الدماغي أو أي متلازمة أو عيب خلقي أو عيب جيني. والذي يحتاج متابعة دائمة وطويلة. كذلك حدوث جلطة دماغية للكبار والتي تحتاج إلى علاج فيزيائي لاستعادة الصوت الطبيعي الذي يتغير حال الإصابة بالجلطة”.
ولا يغيب عن رولا الرفاعي الإشارة إلى “الحاجة أحياناً إلى اختصاص نفسي دقيق، وهذا للأسف غير موجود بشكل مجاني في حمص. وهناك المصابين بأمراض نفسية متأصلة أو مستجدة عليهم في حياتهم وتحديداً الفصام المتطور والتي تغيب عنده اللغة ويتأثر المريض بأصوات يسمعها وحده”.
وتؤكد رولا: “أن هذه الحالات بالذات تحتاج إلى معالجة سريرية ونفسية بالإضافة لعلاج النطق بشكل متلازم مع العلاج الأساسي. لكن أرى أهم إنجاز في عملي هو للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة والذين تغيب عندهم اللغة لأنها تتطلب مستوى من الادراك العالي”…
وتقول رولا الرفاعي: “أعمل مع الأطفال لأجل مساعدتهم على رفع وتنمية المهارات التي اكتسبوها ما قبل النطق، لأن نجاح جلسة التخاطب والنطق يعتمد على هذه المهارات، وهي تنفيذ الأوامر الموجهة لهم ثم المطابقة ثم التمييز ويليها الاشارة بالإصبع، والتقليد. وهذا العنصر مهم جدا لأن الطفل عندما يستطيع التقليد الحركي بأنواعه، هذا معناه أن التركيز والانتباه أصبح عنده مرتفع”…
“الأطفال يستفيدون بشكل ممتاز بالرغم من وجود معوقات تمنع تطورهم. وأهمها للأسف الأهل الذين لايتجاوبون مع العلاج، والبعض منهم حتى لو اقتنع بالعلاج فإنه لايستمر به. إضافة لبعض الأهالي الذين يرفضون إخراج مريضهم من المنزل في حال كان طفلة” بحسب رولا الرفاعي.
تبدي الرفاعي استعدادها للمساعدة مع مراعاة طبيعة تفكير البعض. وتقول “أتوجه بنفسي إلى منزلهم وتحت مرأى من ناظرهم لعلاج أي طفل. ومع ذلك فالبعض يرفض خضوع الطفل لأي علاج لأسباب تارةَ دينية وتارةَ عدم القناعة”. وتبقى المسألة الأصعب وهي عندما لا يتقبل الأهل حالة أبنائهم بتاتاَ”.
وتوضح رولا الرفاعي أنه وبحكم طبيعة عملها عليها الاطلاع على التاريخ المرضي للمريض أو الاطلاع على خصوصية حياته وحياة عائلته. وهذا تجد فيه صعوبة كبيرة مع الأهالي الذين يفضلون التكتم وعدم التكلم بوضوح، مع أن ذلك يساهم كثيراً بتشخيص الحالة المرضية، حينها ذلك يتطلب جهداً نفسياً ومعنوياً، لزرع الأمن والسلام والقبول في قلوب الاهالي.
وتوضح رولا الرفاعي: “أنا متطوعة بالمجمل، وهبت كل خبرتي ومعرفتي لمساعدة كل طفل يأتي إلي. وكذلك حينما أعلم بوجود حالة صعبة لا أنتظر بل أتوجه بنفسي إلى الطفل وأهله. وأقدم كل ما أستطيع من مساعدة. لم أتلق أي دعم من أي جهة. وأعمل بشكل شخصي، وكذلك مع راهبات القلبين الأقدسين فقط”.
تصف الرفاعي عملها بأنه “صعب ومتعب جداً بالإضافة إلى كونه تطوعياً في الغالب. فأنا لا أقبل بتقاضي أي مبلغ كان من عائلة أعرف مسبقاً أنها تعيش حد الكفاف. كذلك لا أتقاضى أي مبلغ مساعدة شخص تعرض لصدمة أو تعذيب.المقابل أتقاضاه فقط من عائلة قادرة على دفع التكاليف. لكن للأسف العائلات الميسورة لا تقتنع بامرأة تقدم خبرتها مجاناً. فيذهبون لدفع أموال طائلة لمن عليهم انتظار أشهر حتى يأخذوا موعداً لمريضهم”.
وتتابع رولا لرفاعي: “أحب عملي جداً، وأنسى تعبي عندما أرى نتائج العمل تظهر على المريض، وكم السعادة التي تسكن قلب الأب والأم في تطور ابنهم. ولا زلت أحلم بمركز حقيقي يحتوي كل الظروف والحالات النفسية التي مرت بها حمص وأهلها. جميعنا بالمجمل أصابتنا شتى الأمراض النفسية والتي تحتاج لعلاج، لكن قد تتفاوت النسبة بين شخص وآخر.”
وتختم الرفاعي حديثها بالقول: “أتمنى فقط لعائلتي الصغيرة ومدينتي المتعبة أن تنال قسطها من الراحة والسلام”.