على أرض مدرسة حيش… مركز للنساء
صورة لدرس يتلقاه أطفال روضة مركز حيش تصوير مها الأحمد
"على يمين الطريق، توجد مدرسة لم تُهدَم بعد! إنها مدرسة حيش، وعلى بوابتها لافتة أُخرى كُتب عليها "مركز حيش لتمكين المرأة"... في داخل المدرسة نساء وأطفال يعملون ويتعلّمون بكلِّ همةٍ وحماس!"
الشوارع خالية إلّا من بعض الباعة، والذين يرتادون المتاجر القليلة. تعلو وجوههم ملامح الهم والحزن. بيوت وأسطح مهدَّمة، هذا هوَ المشهد الغالب وسط بلدة حيش…
على يمين الطريق، توجد مدرسة لم تُهدَم بعد! إنها مدرسة حيش، وعلى بوابتها لافتة أُخرى كُتب عليها “مركز حيش لتمكين المرأة”… في داخل المدرسة نساء وأطفال يعملون ويتعلّمون بكلِّ همةٍ وحماس!
طلاب المدرسة الأساسيون يداومون حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، إلى جانب قاعة تدريبات حرفية لمركز حيش للنساء… وبعد انتهاء دوام الطلاب الأساسيين، يبدأ دوام الروضة ودروس التقوية التابعَين لمركز النساء إلى جانب استمرار تدريباتهن (خياطة، نسيج، تصفيف شعر ومكياج، ودورات تمريض). هنا يتم اقتسام أرض المدرسة التي لم تُهدَم، لأكثر من غرض، تربوي ومهني!
أدركَ الكثير من النساء في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، أنَّ العمل بأجر والعمل التطوعي أمران ضروريان للتخفيف من وطأة ظروف الحرب القاسية. والتي غالباً ما تقع نتائجها مباشرةً على كاهل المرأه كربّة أُسرة. وفي كثير من الحالات كمُعيلة في ظل غياب الرجل، بين اعتقال وقتل ومحارب وعاطل عن العمل، وسط كل الظروف الأمنية والإقتصادية… وكثسر من النساء، حتى مع وجود الرجل قد آمنّ بضرورة التعاون ووحدة المصير.
مديرة مركز حيش لتمكين المرأة خديجة (43 عاماً)، كانت قد قررت مع زميلاتٍ لها من البلدة إنشاء مركز للتدريب الحرفي للنساء. تلقت النساء وعداً من أحدهم بتأمين الدعم، لكنه اختفى فجأة وأخلف بوعده. فقررنَ الإستمرار بالعمل تطوعاً دون مقابل وبدون أي دعم مادي… وكل ما يمتلكنه، معدات أحضرنها، ومدرسة يقمن فيها المركز.
بدأ المشوار في الأول من أيار/مايو 2015، وكان قد توسّع المشروع ليشارك فيه مدرّبات ومتدرّبات من قرى ومدن مختلفة.
تتحدّث خديجة لحكايات سوريا عن الدورات التدريبية الخاصة بالنساء، بالقول: “تستمر كل دورة لمدة ثلاثة أشهر، على أن تُمنح بعدها الخرّيجة شهادة تحدِّد مستواها بحسب المدرّبات اللواتي قسّمنَ الشهادات إلى ثلاث مستويات (جيد، جيد جداً وممتاز)”.
خرَّج المركز الدفعة السادسة من النساء في مهنة الخياطة، النسيج، مهنة كوافيرة والتمريض. وتقول خديجة: “يُسعدني أن أخبركم أنّ بعض المتخرّجات من مركزنا قد فتحنَ محلات للعمل بالمهن التي تدرّبنَ عليها. فنحنُ نتطوّع، لكن نفيد نساء كثيرات، بالعمل لتأمين لقمة العيش”.
وبالرغم من الظروف الصعبة وباعتبار أنَّ العمل في المركز تطوعي، إلاّ أنّ التفاني والإخلاص في العمل هما عنوان أداء كادر التدريب كما تقول خديجة.
مدرّبة النسيج التي فضّلت عدم ذكر اسمها تقول لموقعنا: “يجمع النساء في هذا المركز الهمُّ المشترك، جميعنا نعيش ذات الظروف الصعبة والقاسية. من نزوح وتشرد وفقدان المعيل وحرمان التعليم لبعض أولادنا…”.
وتضيف مدربة النسيج “أغلب سكان حيش هم نازحون من قرى ريف حماة الشمالي وريف إدلب، لذا اتفقنا نحنُ نساء تلك المناطق على عدم الإستسلام لظروف الحرب الهدامة. ومحاولة النهوض بما تبقّى لدينا من إمكانيات، بعد أن أدركنا أنّ النتائج السلبية للحرب لن تستثني أحداً”.
أمّا مدربة تصفيف الشعر والمكياج، هند (43 عاماً) من قرية سلمى في ريف اللاذقية، لا تنسى أن تذكر دروس التوعية والإرشاد التي يحاول المتدرّبات إكسابها للطالبات أثناء تدريبهن على المهن المختلفة… وهو ما يميّز المركز ويجعله يتلقى الدعم والتأييد المعنويين بحسب هند.
مدربة التمريض لمياء (41 عاماً) من بلدة حيش، تعبّر عن سعادتها بالعمل التطوعي. وتوضح أنها تعلّم الفتيات كل شيء يتعلق بالتمريض والإسعافات الأولية من “الحقن بالإبرة، التنفس الإصطناعي، تعقيم الجروح والحروق والقسطرة…”
وعن كيفية تأمين المعدات اللازمة للتدريب، تفيد لمياء بأنّ جميع المدرّبات في المركز وبالتعاون مع المديرة يتطوعنَ لإحضار كافة المعدّات من حسابهن الشخصي كل بحسب إمكانياتها، وفي حال توفرت المساعدة من أي أحد”.
ماجدة (25 عاماً) من حيش، لديها ثلاثة أطفال وزوجها متوفي، تخرّجت من دورة الخياطة بدرجة ممتاز. ماجدة تعمل اليوم كخياطة محترفة، وتقول لحكايات سوريا بأنها تكسب من هذه المهنة ما يساعدها في مصروف بيتها وإعالة أولادها، وتضيف بفخر: “أصبحتُ خياطة محترفة، وبعض زميلاتي اللواتي تدربنَ في المركز يعملن اليوم في ورشات للخياطة، وكل ذلك بفضل التدريب الذي خضعنا لهُ على مدار ثلاثة أشهر”.
وإلى جانب التدريبات المهنية، يقدّم مركز حيش لتمكين المرأة، حصّة من جهده للتلاميذ. فبعد انتهاء دوام الصفوف الأساسية في مدرسة حيش، يبدأ دوام الروضة، من عمر 4 حتى 6 سنوات، وتستقبل 60 طفلاً، وكذلك هناك دروس تقوية من الصف الأول حتى الرابع، ويخضع لها 50 طفلاً.
أحمد حسين (30 عاماً)، مسؤول الروضة، يتحدّث بفخر لحكايات سوريا عن تجربته من أجل الأطفال، حيثُ يتناوب في التدريس إلى جانب المدرّسة نورا…
وبذلك تتجمّع الجهود في حيش نموذجاً للتعاون وقوامه النساء اللواتي يقلنَ: لا للحرب، لا للإستسلام، ونعم للمرأة المُنتجة التي تطوّر من قدراتها وقدرات أبنائها وتقوم بدورٍ بطولي في حربٍ أبكتها، حيث تحاول كل بحسب إمكانياتها أن تمسح الدمعة وتستبدلها بالعزيمة. هذه هي تجربة مركز حيش لتمكين المرأة…