عرقلة دخول السوريين إلى مصر وترحيل اللاجئين منهم
سلام السعدي
(دمشق، سوريا) – تحت زخات المطر، محاطين بالكتل الإسمنتية والحواجز العسكرية، يقف سوريون بأعمار متفاوتة أمام باب موصد لا يُفتح إلا لبضعة مراجعين. هذا باب السفارة المصرية في منطقة كفرسوسة ذات الإجراءات الأمنية المشددة في العاصمة دمشق. القليل منهم ينتظرون الحصول على تأشيرة لدخول مصر كانوا قد تقدموا بطلب لها. أما البقية، فينتظرون جواباً يتصل بإجراءات الحصول على التأشيرة، أو بتبيان سبب رفض إعطائهم إياها، ويتكفل “الانترفون” على باب السفارة بإعطاء جواب مقتضب دون السماح بالدخول.
هذا هو حال أعداد كبيرة من السوريين المتضررين من الإجراءات الجديدة للحصول على تأشيرة دخول، والتي وضعتها السلطات المصرية بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وتحديداً في 8 يوليو/ تموز. وقد رافق العزل حملة تحريض إعلامي ضدهم، واتهام وسائل إعلام مصرية إياهم بالضلوع في التظاهرات والاشتباكات التي وقعت في أعقاب ذلك.
“عائلتي في مصر منذ مطلع العام الحالي 2013، وعندما أنهيت عملي في دمشق وقررت الانضمام إليها، أغلقت مصر بابها في وجهي”، يقول شادي وهو موظف حكومي استقال من وظيفته حتى يتسنى له مغادرة البلاد والالتحاق بعائلته. نجح شادي في تقديم طلب تأشيرة دخول بعد عناء طويل في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ولا يزال ينتظر النتيجة. يتحدث الشاب الثلاثيني عن معاناة السوريين مع الإجراءات الجديدة التي سنتها السلطات المصرية “حتى قبل أن تعاود سفارة مصر عملها في دمشق، إذ بقينا نحو شهرين نراجع السفارة دون السماح لنا بمقابلة أحد، ليطلبوا منا العودة لاحقاً”.
المشكلة الثانية بعد صعوبة وضبابية الإجراءات، هي أن طلب التأشيرة قد يقابل بالرفض في حالات كثيرة من دون تبيان أسباب واضحة. هذا ما حدث مع قصي الشاب ذو السادسة والعشرين عاماً والمقيم في دمشق، إذ يحاول الالتحاق بأخيه الأكبر الذي يعمل في مصر. يقول قصي متهكماً: “على احد المقيمين في مصر أن يقدم لك موافقة أمنية وطلب دعوة للحصول على التأشيرة، وكأننا نريد السفر إلى السويد!”. ويضيف قصي الذي لا يفهم السبب الأمني الذي يقف وراء حجب التأشيرة عنه: “تقدم لي أخي، ولمرتين متتاليتين، في مجمع التحرير في القاهرة، بطلب الموافقة الأمنية والتأشيرة، وجاء الرد بالرفض”.
تأتي تلك التعقيدات بالرغم من بيانات وزارة الخارجية المصرية في تموز/ يوليو، والتي أكدت على أن قرار فرض التأشيرة على السوريين “يتعلق بالظرف الحالي والمؤقت الذي تمر به مصر”، مطالبةً السوريين الذين يقيمون في مصر أو يرغبون في الإقامة فيها أن “يراعوا الموقف الأمني الذي تمر به البلاد حالياً، وأن يتفهموا طبيعة هذا الإجراء الذي لا ينتقص من العلاقة التاريخية بين الشعبين”.
غير أن الدبلوماسية الرسمية لم تكن لتطمئن السوريين بالقدر الكافي، في ظل مناخ عام من الاضطرابات التي انعكست بقوة عليهم في مصر. يقول أبو راجي في القاهرة منذ عام ونصف العام، أنه في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي “بات السوريون يلزمون منازلهم، ويتجنبون المرور بمحاذاة التجمعات والتظاهرات المختلفة”. يضيف الرجل الأربعيني أنه هرب من سوريا مع أسرته المكونة من ثلاثة أفراد تجنباً للمخاطر الكثيرة التي أحدقت بهم حيث كانوا يقطنون في حي جوبر. “لكن المتاعب لم تفارقنا هنا في مصر، إذ يسيطر علينا الخوف من اعتداء جسدي أو لفظي، فقد صار شائعاً أن تسمع شتيمة أو اهانة أينما حللت فقط لأنك سوري”. ويضيف: “هنالك تشديد امني مزعج وغير مسبوق حيالنا، صرنا مضطرين في أكثر من مكان إلى إبراز جواز السفر والإقامة. من لا يحمل إقامة بات مهدداً بالترحيل، لذا يتجنب الخروج والتجوال”.
حديث أبو راجي أكدته سابقاً منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي طالبت السلطات المصرية “التوقف عن احتجاز السوريين تعسفياً والتهديد بترحيلهم بإجراءات موجزة لا تراعي التدابير القانونية الواجبة”. المنظمة الحقوقية دعت السلطات إلى “الإفراج عن السوريين المحتجزين ما لم يتم اتهامهم فوراً بجرائم تستحق المحاسبة، وعدم ترحيل السوريين من حاملي تأشيرات الدخول أو طالبي اللجوء بدون مراجعة محايدة لطلبات اللجوء الخاصة بهم”. كما أعدت المنظمة الدولية فيديو وثائقي احتوى على مقابلات مع أهالي المحتجزين، شرحوا فيها كيف تم إنزال أبنائهم من وسيلة النقل العامة على حاجز تفتيش للأمن المصري، أثناء عودتهم من العمل، ليتم احتجازهم بذريعة عدم حمل جواز السفر بالرغم من أن أحد أقارب هؤلاء حضر إلى نقطة التفتيش ومعه جوازات السفر المطلوبة، لكن دون جدوى.
التضييق على السوريين أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد المسجلين بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. إذ تتيح المفوضية للسوريين الحصول على “الكرت الأصفر”، وهو بطاقة يعتبر حاملها تحت رعايتها، ويتمتع بالحماية الدولية المؤقتة. وسجل 2000 سوري فقط منذ أيلول/ سبتمبر 2012 حتى آذار/ مارس 2013، لكن التسجيل ارتفع مع ازدياد حدة الإضرابات إلى نحو 80 ألف سوري حتى تاريخ 25 تموز/ يوليو، وقفز حتى 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى نحو 124 ألف.
من بين السوريين المقيمين في مصر والحاصلين على إقامات قانونية من يعش ظروفاً حسنة، مثل أحمد (30 عاماً)، الذي يرى أن “موجة العداء ضد السوريين انحسرت اليوم”. نزح أحمد مع عائلته مطلع العام 2012 من حي الوعر في مدينة حمص إلى مصر كونها “قد فتحت الباب للسوريين، ولانخفاض تكاليف المعيشة فيها مقارنة بالدول الأخرى”، وهو يقيم مع عائلته في منطقة 6 أكتوبر التي تحتضن التجمع الأكبر للاجئين السوريين، ويعمل في محل حلويات عربية. ويعتبر أحمد أن “الأوضاع اليوم، خصوصاً في 6 أكتوبر جيدة جداً، فالسوريون افتتحوا محالهم الخاصة، ويسجلون أبناءهم في المدارس المصرية”.
تشير تقارير صحافية حديثة إلى محاولة اللاجئين السوريين الهجرة بشكل غير شرعي إلى أوروبا، مما يعرضهم للسجن.
ووتؤكد المنظمات الحقوقية أن السلطات المصرية قامت بترحيل لاجئين سوريين بعد احتجازهم. يشرح غيث (37 عاماً)، وهو سوري أقام لمدة عام ونصف العام في القاهرة، تجربته بعد أن رحّلته السلطات المصرية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى تركيا: “احتجزني الأمن المصري بسبب انتهاء مدة الإقامة، وخيّرني بين البقاء بالسجن، أو حجز تذكرة سفر إلى سوريا أو إلى تركيا”. ويشير غيث إلى أن “قرار الترحيل يصدر عن امن الدولة بذريعة مخالفة قوانين الإقامة”، ويلفت إلى وجود “سوري آخر التقيته بالسجن، وقد نجحت عائلته باستصدار اقامة له أثناء احتجازه، برغم ذلك رفضت السلطات المصرية إخلاء سبيله، وتم ترحيله معي إلى تركيا”.
لم يكن ترحيل الشاب غيث عن مصر فحسب، بل عن زوجته وابنته الصغيرة أيضاً. “كنا نقيم في مصر منذ عام، ونعتمد في معيشتنا على عملي كمحاسب في شركة مقاولات”، يقول غيث، ويضيف بأسى: “اليوم أنا في تركيا ابحث عن عمل، فيما عادت عائلتي إلى سوريا، وأتطلع إلى لقائهم في أقرب وقت، حالما أجد عملاً هنا”.