عالقة بين سوريا وتركيا

أنا شابة كانت تحلم بحياة سعيدة، لكن قساوة ظروف الحرب جعلتني أنزح إلى مخيمات تركيا وأعيش فيها، بعدما اشتدَّ القصف على مدينتي كفرنبل.

كنت أعاني من مرارة الغربة والإشتياق للوطن ولرؤية أهلي. تقدمت بطلب لمغادرة المخيم والعودة إلى سوريا لزيارة الأهل، بعد سنتين على غيابي.

دخلت سوريا دون صعوبات، ومضت زيارتي على خير. لكن بما أني لا أمتلك جواز سفر، كانت الصعوبة بدخول تركيا من جديد. فقررت الدخول عبر معبر باب الهوى بجواز سفر قريبتي، لوجود تشابه بيننا.

حزمتُ أمتعتي وبدأت رحلتي صباحاً. وكان معي ابنتَيّ. عند وصولنا إلى المعبر، بدأ قلبي يطرق بسرعة خوفاً من اكتشاف أمر الجواز!

على الجانب السوري من الحدود، لم يدرك الجيش الحر الأمر. فقطعتُ بوابته لأصل البوابة التركية، ما جعلني أطمئن قليلاً لعلَّ الجندرمة التركية لا تنتبه للأمر أيضاً.

قمت بتسليم الضابط التركي جواز السفر، وهنا كانت المفاجأة! اكتُشف أمر الجواز، وسألني: لمن هذا الجواز؟

لم أستطع إخباره بالحقيقة، علّني أتمكن من الدخول… وقلت أنَّ الجواز لي. ليعود ويسألني عدة مرات، لكن لم أغيّر إجابتي!

بدأت طفلتي التي تبلغ ست سنوات، بالبكاء. وراحت تطلب من الضابط أن يدخلها إلى والدها. كان الضابط يعمل على إسكاتها بلطف ويطلب منها الهدوء. ظننتُ أنه سيرقّ قلبه لها! لكن بدا العكس وطلب مغادرتي والعودة إلى سوريا، وإلا سيحتجز جواز السفر!

لم أجد طريقاً، سوى أخذ الجواز منه والعودة إلى الوراء…

جلست على جانب الطريق مع ضغيرتيّ، ولم أستطع ضبط نفسي فشعرت باليأس، وبدأت عيناي تسيل منهما الدموع. أنا في الوسط محتجزة، بين سوريا وتركيا، ولا أعرف ماذا أفعل!

أتى إلي رجل من الجيش الحر وسألني ماذا جرى وعن سبب بكائي. فشرحتُ له مشكلتي. وطلب مني الإنتظار في مكاني، ووعدني بأنه سيعود بعد دقائق.

جلست أنتظر، حتى عاد مع رجل آخَر وسألني، إن كنتُ أستطيع الدخول في إحدى السيارات السياحية، لاجتياز أول بوابة، وبأنه عليّ الإكمال بمفردي من بعدها. وطمأنني أن مَن يجتاز البوابة التركية الأولى، لن يتم التدقيق بأوراقه عند البوابات الأخرى.

ارتحتُ ووافقت على اقتراحه، لكن لم أدرك، أنَّ أمامي الكثير من البوابات، عَلَي اجتيازها!

عبرتُ البوابة الأولى بسيارة سياحية، ولم ينتبه الضابط لأمر جوازي. كنتُ سعيدة أني اجتزت الحاجز. وأتى بعدها حاجز التفتيش، ومررتُ بسلام.

ثمَّ انتقلنا بسيارة إلى حاجز الختم، وهنا ساعدني شاب من حمص لا أعرفه، وحمل معي حقائبي وإحدى طفلتيّ. أعطيت الجواز للضابط للختم… نظر به ومن ثمَّ نظرَ إليّ… وبعد دقيقة أعطاني إلجواز، وأعطى الشاب جوازه. ثمَّ سرنا مسافة طويلة نسبياً حتى البوابة الأخيرة، لأصل إلى داخل الأراضي التركية…

لكن كانت صدمتي بعدَ حين، أن الجواز غير مختوم! فطلب مني الشرطي عودتي إلى الحاجز السابق، لختمه. ربما الضابط الذي كان يختم الجوازات، اكتشف أمري ولم يخبرني، وترك جوازي من دون ختم! كادت أن تنهار أعصابي، فكان عليّ أن أعود لختم الجواز!

المسافة بعيدة وطفلتَي مرهقتان من السير. فعرض علي الشاب الذي يرافقني، البقاء معهما. وذهبت وحدي وطلبت من الضابط أن يختم لي الجواز، لكنه رفض. كنت أشعر أنَّ حرارتي تجاوزت الأربعين. فعدتُ إلى طفلتي واليأس ينال مني.

ثمَّ حاولنا مع الشرطة، للتغاضي عني والسماح لي بالدخول. لكن عناصر الشرطة بدأوا لا يفارقونني بنظراتهم، التي تمنع أي وسيلة للعبور!

هنا قررت العودة إلى سوريا وأنا محبطة والتعب انهكَ جسدي.

رفض الشاب ذلك وقال بصوتٍ عالٍ: “اتكلي على الله ولا تيأسي!”. ووعدني أنه سيبقى برفقتي، حتى أخرج معه. وطلبَ مرافقتي إلى المدير المسؤول عن نقطة الحدود.

دخلنا غرفة المدير لنتحدث معه، لكن كانت الصدمة الكبيرة، أننا رأينا هناك الضابط الذي كشف أمري على أول بوابة! فبدأ يخبر المدير بأمري، ويسأل كيف دخلت وطلب عودت

سيدة وأطفالها أمام احدى وسائل النقل _ حي باب الحديد _ حسام كويفاتية
سيدة وأطفالها أمام احدى وسائل النقل _ حي باب الحديد _ حسام كويفاتية

ي إلى سوريا. فخفت وعدتُ أنا والشاب.

عند وصولي للباص الأخير للعودة، غادر ولم ألحق به! جلست على طرف الطريق، وأنا أبكي. لقد احتُجزت داخل المعبر وأُغلقت جميع الأبواب أمامي!

لم أجد معي سوى الشاب الحمصي، الذي رفض أن يتركني وحدي، وأنا جالسة أحضن طفلتي اللتين تبكيان من الجوع والإرهاق.

وبقيت على هذا الحال حتى المساء… عند السادسة مساءً، فُتح الباب قليلاً وأشار إلي الشرطي بأن أخرج بسرعة! فحملتُ طفلتَي وسرت بسرعة نحو الباب، وكأن طاقة الفرج قد فُتحت أمامي.

وما إن وضعت قدمَي خارج الباب، حتى وضِعت يد على كتفي وسحبتني بقوة إلى الخلف! نظرتُ ولم أستطع الكلام، لأجد شرطياً يصرخ في وجهي، ويطلب مني العودة إلى الوراء! أشرتُ بإصبعي بأنَّ زميله هو مَن طلب مني الخروج. تحادثا معاً دون فهمي لأي كلمة يقولانها!

ثمَّ عاد وفتح الشرطي الباب، وطلب مني الخروج، وكأني ولدتُ من جديد. لأدخل الأراضي التركية وتنتهي رحلتي بينَ الحدود…

تغريد العبدالله (30 عاماً) من مدينة كفرنبل، متزوجة ولديها طفلتين. نزحت عدة مرات ضمن سوريا وثلاث مرات إلى تركيا.