طفلة مطلقة تعيل أهلها
طفلات سوريات يتزلحقن على زحليقة خلال أيام العيد في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.
"لم يكن يظهر عليها أنها متزوجة. كانت البراءة والطفولة طاغية على ملامحها. كانت الابتسامة لا تفارقها. فتاة عشرينية كانت مقبلة تواً على الحياة. "
هي من مواليد 1994 من قرية صغيرة في ريف إدلب. كانت جارتنا الجديدة في السكن. لم يكن يظهر عليها أنها متزوجة. كانت البراءة والطفولة طاغية على ملامحها. كانت الابتسامة لا تفارقها. فتاة عشرينية كانت مقبلة تواً على الحياة.
أقاموا في منزل بالقرب منّا، ولم نلحظ عليهم إلّا حسن الخلق. بدأنا بالتعرف عليهم وتبادل الزيارات وتبادل بعض اطباق الطعام، كانوا جداً بسطاء. كانت تسكن مع أمها وأبيها واخوتها الصغار.
أختها الاصغر والتي كانت مخطوبة في تلك الفترة لأحد شبان قريتهم. لم نتعرف عليها بما يكفي لأنها تزوجت بعد فترة قصيرة من سكنهم في الحي. بالإضافة الى أخيها وزوجة أخيها الحامل في شهرها الأخير وولديهما. وكان يصر على العيش مع أهله لأنه غير مؤهل لحمل مسؤولية بيت وعائلة وكان كل ماعرض عليه اهله فكرة العيش بمفرده مع عائلته يرفض بشدة …
في إحدى السهرات كنا نجلس سوياً انا وفاطمة ونشرب القهوة ونتبادل بعض الاحاديث. سألتها عن رغبتها بالزواج إن تقدم لها احد الشبان ماذا سيكون جوابها. كنت أحاول أن أعرف رأيها في هذا الموضوع بشكل غير مباشر. إن كانت تفكر بأحد ما، أو تنتظره.
كان أحد اقاربنا يبحث عن عروس سورية تكون ذات خلق. وكان قد طلب منّا أن نساعده في البحث. فخطرت ببالي مباشرة عندما رأيتها. لكن لم يكن الوقت مناسباً كي أفتح معها الموضوع مباشرة دون أن نعرفهم اكثر … فردت بابتسامة يغلبها الحزن: “أنا مطلقة”.
هنا كانت الصدمة… مطلقة !!؟ أعادت وهي تضحك بابتسامة الحزن تلك: “نعم مطلقة، كنت متزوجة من ابن عمي، منذ ولدت وأهلي يقولون بأنني سأكون من نصيب ابن عمي عندما أكبر. وفعلاً لم ألحق أن اشب حتى وجدت نفسي قد شبت”.
“زوجوني وانا عمري 15 سنة. لم أكن اعي شيئاً سوى أهلي وعائلتي وجيراننا. كنت ما أزال طفلة ألعب مع بنات الجيران وأتعارك انا وإخوتي على بعض الألعاب، أو بعض الطعام. وفجأة في أحد الأيام قالوا لي بأنني سأتزوج من إبن عمي وستتم خطبتنا بعد اسبوع”.
وأضافت: “في تلك الفترة كنت معجبة بابن جيراننا. لكنني لم أعارض أهلي ولم أوافقهم على موضوع الزواج من ابن عمي. حيث كنت أفكر وقتها بأنني سأرتدي الفستان الأبيض وسأضع المكياج وسأبدو مثل أختي عندما تزوجت وأصبحت عروساً”.
وتابعت وهي تتنهد: “وأصبحت عروساً ولبست الفستان الأبيض، ووضعت المكياج لكن فرحتي لم تكتمل رغم أن ابي وعمي كانا أكثر من إخوة وأصدقاء. كنا دائماً متواجدين مع بعضنا، في نفس البيت، وعلى نفس المائدة”.
وأردفت: “بعد الزواج مباشرة بدأت تظهر المشاكل بين العائلتين… لا أعرف ما هو السبب ، لكنها بدأت تظهر. مشكلة تلو الاخرى حتى وصل بهم الحال أن يمنعوني من الذهاب إلى بيت أهلي وزيارتهم. كانت المشكلة الأكبر حول كيفية تقسيم أرض جدي في ما بينهما. كان عمي يريد الحصة الأكبر دون أن يعطي لعماتي حقوقهن. أبي رفض هذا واعتبره ظلماً. وكان أبي هو الموكل بتقسيم الإرث بعد وفاة جدي”.
وأوضحت “المشكلة كبرت بعد زواجي بشهر. زوجي عاد إلى لبنان حيث كان يعمل هناك في مجال البناء. وأنا بقيت في بيت عمي أعيش في غرفتي الصغيرة وأمارس حياتي بشكل طبيعي مع اسرتي الجديدة. بعد أن بدات المشاكل تكبر قرر بيت عمي أن يضغطو على والدي من خلالي فقالوا له سوف نقوم بتطليق فاطمة من ابننا ونعيدها إليك ان لم توافق”.
وأضافت: “كان أبي يعتقد أن الأمور لن تصل إلى مرحلة الجدية ابداً. قال لهم طلقوها، لا أريد لابنتي أن تبقى عندكم. وفعلا ولأن زوجي كان يرضخ لأمر أهله بالكامل قام بتطليقي وهو في لبنان عن طريق الهاتف. تطلقت بعد زواجي بثلاثة أشهر وقد كنت ما أزال عروساً … وحتى ما كنت ارتديه من ذهب قاموا بنزعه قبل إرسالي إلى بيت اهلي. والآن أنا في بيت أهلي منذ أكثر من 7 سنوات”.
سكتنا قليلاً نتفكر كلينا في حديثها. وعاودت سؤالها: لماذا لاتفكرين بالزواج؟ ماتزالين صغيرة وجميلة… فأجابت: “أنا لا أمانع في الزواج أبداً لكن الآن أصبح إسمي مطلّقة ويصعب أن أجد الزوج المناسب أو الزوج الذي يقبل بي مع لقبي هذا”.
وأضافت: “كما أنني أعمل وأعيل أهلي في حياتهم، الأمر الذي جعل موضوع زواجي يزداد تعقيداً، لأن أهلي يقومون برفض الشخص المتقدم لخطبتي فوراً كي أساعدهم من ناحية، ومن ناحية أخرى أن أغلب المتقدمين هم غرباء، وليسوا من قريتنا. وأهلي يخافون بسبب وضعي أن يكون شخص لا يخاف الله وأن أظلم مرة ثانية بسبب سوء اختيارهم لي لأنهم ما زالوا يلومون أنفسهم إلى اليوم بسبب تسرعهم الأول “.
حلا عبدالله (25 عاماً) متزوجة وأم لولدين نازحة في تركيا وتبحث عن عمل.