طفلة السنة تحتَ الأنقاض…

إخراج امراة من تحت أنقاض منزلها بعد استهدافه بغارة من الطيران الحربي لنظام الأسد- - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

إخراج امراة من تحت أنقاض منزلها بعد استهدافه بغارة من الطيران الحربي لنظام الأسد- - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

عشتُ مع عائلتي المكوَّنة من أربعة شبَّان وأربع بنات وأبي وأمي. وقضيتُ طفولتي في بيتنا المليء بالفرح. لكن سرعان ما ذهبت السعادة من حياتنا، عندما أجبرنا هذا النظام الظالم على الخروج من منزلنا وبلدتنا، ليبقيا مُجرَّد ذكرى!

 

حرقَ النظام منزلنا، ولم يبقَ لدينا سوى الرماد، بعدما كنا قد خرجنا منهُ بالثياب التي نرتديها فقط… نزَحنا بعد حرقه، إلى بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي، على اعتبارها تخضع لسيطرة الجيش الحر، ويوجد صديق للعائلة في هذه البلدة… فلجأنا إليه.

 

لدى وصولنا إلى منزل ذلك الرجل، لم نجد هناك سوى زوجته وبناته. سقونا الماء، على اعتبار أنَّ الجو حار جداً، وجلسنا على شرفة المنزل، ننتظر مجيءَ الرجل. حينها، تهامستُ أنا وأُختي الكبيرة بصوتٍ منخفض: “ماذا سيقول لنا الرجل؟ هل سيقوم بمساعدتنا؟”

 

كانت الأفكار كثيرة تدور في رؤوسنا، فهو يمتلك منزلاً مؤلَّفاً من طبقيتن، وفي كل طابق يوجد ثلاث غرف وصالون. بعدَ انتظار، أتى الرجل وقام بإلقاء التحية الحارَّة على أبي. استقباله الحار لأبي أعادَ الأمل إلى قلبي… فقد يوافق على استقبالنا؟! وفعلاً، دارَ حديث بين أبي والرجل، فهُما منذ فترة طويلة لم ير أحدهما الآخر. كان من الصعب على أبي أن يطلب فوراً من الرجل منزلاً للمكوث فيه… لكنَّ الرجل علمَ بما حلَّ بمنزلنا، وقال لنا: “منزلي هو منزلكم… الطابق العلوي لكم، وهوَ مجهَّز بكل شيء”.

 

فَرحنا كثيراً، فالله لا ينسى أحداً… وصعدنا إلى المنزل، كي نرتاح فيه. كان منزلاً جميلاً يشبه منزلنا. ظننا أننا سنبقى فيه حتى تُفرَج ونعود إلى بلدتنا… لكن في ما بعد، تبيَّن أنها كانت مُجرَّد أمنية! فصحيح أنَّ البلدة مُحرَّرة من الجيش… لكنَّ نظام الأسد صبَّ إجرامه عليها بأساليبٍ أخرى أبشَع من وجود جيشه فيها، كالقصف بالطائرات الغادرة والراجمات.

 

عندَ حلول الليل، ذهبَ الجميع إلى النوم… بقيتُ مستيقظة وحدي على النافذة، أنظرُ إلى السماء، وأتذكَّر بيتنا… وأسألُ نفسي: متى سيأتي اليوم الذي تتحرَّر فيه سوريا من الظلم، ونتمكَّن من العودة إلى بلدتنا وبيتنا، ونُعيد ترميمه؟ بعدَ لحظات، لم أرَ سوى ضوءاً شديداً جعل البلدة تبدو وكأنهُ قد حلَّ النهار عليها! ثمَّ دوَّى صوت انفجار قوي هزًّ المنزل بأكمله!

 

استيقظَ أهلي بخوفٍ ورعب! صرخت أمي: “الله أكبر ما هذا؟!” بدأ الصراخ يخرج من بيت الرجل في الطابق السفلي: “انزلوا قبل أن تضرب  الطائرة مرةً ثانية!” اتصلَ الرجل بأحد أقاربه، وكان قد أخبره بأنَّ صاروخاً من العيار الثقيل، استهدف الجامع الكبير للبلدة.  وكانت إحدى العائلات النازحة من مدينة معَّرة النعمان تُقيم فيه.

بدأت أصوات الإسعاف تعلو في الشوارع، ولا صوت يعلو فوق صوتها… علّها تستطيع إنقاذ المصابين ونقلهم إلى المستشفى.

 

بدأتُ بالدعاء لتلك العائلة، فهُم أيضاً أُجِبروا على النزوح مثلنا!  بعد حوالي الساعة، ونحن ننتظر خبراً عن العائلة… جاء إبن الرجل الذي يعمل كمُسعِف، وكانت الدماء تملأ ثيابه… خفتُ كثيراً من الدماء الملطَّخة… وهي من أثار دماء هؤلاء الأبرياء…

 

أخبرَنا الشاب أنهُ تمَّ إنقاذ جميع أفراد العائلة من تحت الأنقاض… ما عدا طفلة لا يتجاوزعمرها السنة! كانت قد استُشهدت. فما ذنب هذه الطفلة الصغيرة، هل هي إرهابية؟ وأين العدل في هذه الحياة التي تأخذ الطفولة؟!

هذا ما كان بعدَ ليلتنا الأولى من النزوح…

 

نور المصطفى (26 عاماً) من كرناز في ريف حماه. متزوجة ولديها طفل وهي ربَّة منزل. نزحت عدة مرات، لتستقر حالياً في إدلب.