ضحايا الحروب يتحدون واقعهم وينجحون
من محاضرة الدكتور محمد صهيب مزنوق ضمن حملة إصابتي ليست عجزاً تصوير أبو عمر الحلبي
"بدأنا دراستنا، وكانت أولى الحالات التي واجهتنا وقمنا بالتعرف عليها هي حالة شاب وفتاة في عمر الزهور. دهستهما أنانية الحرب دون رحمة."
بعد إنهائي للمرحلة الثانوية، ودراستي اللغة التركية، وعدم قبولي في الجامعة، لم أستسلم أبداً. وسعيت جاهدة وبكل ما أملك من قوة إلى أن وصلت إلى “العلاج الفيزيائي” في الشهر التاسع من العام 2018.
دخلت القاعة خلال المحاضرة الأولى. كان مدير الكلية هو ذاته المحاضر لمادة التشريح… في البداية قام بالتعريف عن نفسه والكلية وما تقدمه من خدمات لطلابها. وعرض امامنا بعض الأفلام الدعائية القصيرة المصورة عن النشاطات الجامعية والأعمال التطوعية ومشاريع التخرج.
وشرح لنا عن تخصصنا بشكل كامل، وأوضح الحاجة الملحة إليه وخاصة بعد بدء الحرب في سوريا. والحاجة الملحة الكبرى له في الداخل السوري بشكل خاص أيضاً… لم تكن شهاداتنا معترف بها من الحكومة التركية، أو أي جهة أخرى. فدراستنا هي عمل إنساني أكثر من أي شيء آخر .
بدأنا دراستنا، وكانت أولى الحالات التي واجهتنا وقمنا بالتعرف عليها هي حالة شاب وفتاة في عمر الزهور. دهستهما أنانية الحرب دون رحمة. شاب من حمص يدعى فيصل وفتاة من إدلب تسمى شيماء.
فيصل ذو الـ 25 عاماً، بعد أن عقد قرانه بمدة قصيرة أصيب جراء قصف استهدف المنطقة حيث يقيم. ما أدى إلى فقده جزءاً من دماغه، وتشويه وجهه بشكل كامل. بالإضافة إلى فقده بصره أيضاً. إثر ذلك دخل فيصل في غيبوبة كاملة مدة أربعة أشهر، وكان بحالة خطرة جداً. ما بين موت وحياة.
وبعد أن استعاد وعيه تم إدخاله إلى تركيا. كانت خطيبته قد تركته بعد أن دخل في غيبوبة، وعلم الجميع أن حالته خطرة جداً، ولم يكن أحد يتوقع أن يعيش. بعد أن أفاق من الغيبوبة وخرج من المشفى، بدأت معالجته. وقام مركزنا بمتابعة حالة فيصل بشكل كامل وإجراء عملية تجميلية للأنف، فيصل فقد عينيه بشكل كامل بالإضافة إلى حاستي التذوق والشم.
على الرغم من صعوبة حالته كان فيصل مثالاً للصبر بين صحبه، فقد أبكى أحد المذيعين الذين أجروا لقاءً معه. وصدمه المذيع بجوابه على سؤال: هل تتمنى أن يعود لك بصرك؟ رد بكل قوة وصبر: لا، لا أتمنى أن تعود عيناي وأرى الدنيا مرة أخرى. أريد رؤية الجنة فقط فقد قال عليه الصلاة والسلام “من فقد حبيبتيه وصبر دخل الجنة” وأتمنى الدعاء لي بالصبر فقط.
وبعد 4 أعوام بعيداً عن أهله، قامت الكلية بتأمين دخول والدته لحضور حفل زفاف فيصل والذي كان الفرحة والمفاجأة الكبرى للجميع. فيصل تزوج من شابة عزباء قبلت به، ولم تعتبر أن حاله يمكن أن تحول بينهما أن تقف وجه عثرة بوجه هذا الزواج.
الشابة التي تزوجت فيصل سألته عندما التقت والدته للمرة الأولى: فيصل أنت الآن لا ترى والدتك. كيف تصفها؟ أجاب فيصل: أنا أرى أمي بقلبي وإن وصفت أمي فهي جنة على الأرض. وتم عقد قران فيصل وصديقته بحضور زملائه الذين أحتفلوا به بكل بهجة.
أمّا شيماء أو عروس الشام، كما أطلق عليها، فهي فتاة في الـ 16 من عمرها. بعد زواجها بفترة وجيزة أصيبت مما أدى إلى فقدها بصرها، وإحدى عينيها بشكل كامل. ولم تعد تستطع تحريك بعض أطراف جسدها.
أتت شيماء إلى مركز العلاج الفيزيائي لتتلقى العناية اللازمة. وكان عناصر المركز يهتمون بها وبجميع المصابين بكل ما أوتوا من قوة. لكي لايشعروهم بالنقص الذي حل بهم. وكانت تأتي كل يوم إلى مركزنا لتلقي التحية على دكتور الكلية. فزوجها لم يتركها بحالتها الصعبة وكان إلى جانبها دوماً دعما وقوة لتتخطى أزمتها…
كان المصابون جميعاً يخضعون لدورات عدة من لغات وأعمال يدوية وتقنية معلومات. وكان جميعهم من المتفوقين وأصحاب العقول البراقة. فحاجاتهم الخاصة لم تحجب نور الصبر والأمل عنهم. بل زادتها وبشكل أكبر. أتمنى أن تكون لدي القدرة والمؤهلات لأستطيع مساعدتهم بكل ما أستطيع. وأسأل الله أن يجعلهم من الصابرين ويعوضهم خيراً مما أخذ منهم.
ورد غدي (18 عاماً) من ريف حماه الغربي لاجئة في مدينة هاتاي التركية حيث تتابع دراستها لتصبح معالجة فيزيائية.