صناعات صغيرة بغياب الرقابة في كفرنبل

ياسين البيوش (39 عاماً) مالك معمل للأعلاف وبعد أن أخبرته عن عدم تعاون بعض أصحاب المعامل بإجراء حديث صحفي خوفاً من قصف الطيران، أجابني :”قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”. وبعد أربعة أيام من تسجيل حديثه وقبل نشره تعرّض معمل الأعلاف لغارة دمرته بشكل كامل وقضى خلال الغارة خمسة عمال.

خلال الحرب ظهرت في مدينة كفرنبل صناعات لم تكن موجودة من قبل، والسبب يعود للأحداث الجارية في المنطقة والحصار النسبي المفروض، ونقل البعض لمعاملهم من الأماكن الخطرة، بحثاً عن الأمان أولاً وتوفير هذه المنتجات في الأسواق ثانياً. ومن هذه الصناعات صناعة المنظفات والأعلاف وتعبئة أنابيب الأوكسجين. كانت هذه المنتجات تأتي من حلب وحماه ودمشق، ولكون المنطقة تعتمد على الزراعة فقط، لم يتواجد فيها أي صناعات. بسبب عدم قدرة الأهالي أو أصحاب الأموال على إقامة المشاريع الصناعية الكبيرة. والسبب الأهم هو السياسة التي كانت تفرضها حكومة النظام على المنطقة بعدم السماح بإقامة مشاريع صناعية في المناطق الزراعية.
حول ظروف إنشاء معمل الأعلاف قال البيوش: “كنت أعمل بتجارة الأعلاف، و بسبب الأحداث فقدت الأعلاف من الأسواق تقريباً وارتفع ثمنها. ولأن إنتاجها لا يتطلب رأس مال كبير، ولوفرة المواد الأولية كونها من المنتجات الزراعية المحلية باستثناء بعضها، قمت بإنشاء المعمل بداية شهر تموز/ يوليو 2013”.
ويتابع البيوش: “نضطر أحياناً لتأمين بعض المواد الأولية المصنعة مسبقاً من مناطق النظام ومن تركيا. أما عن توزيع الإنتاج فإن أسواق المناطق الحرة تكفي لأن أغلب الأهالي تحولوا لتربية الماشية كمصدر للمعيشة”.
لجأ عمر دندوش مدرس مادة الكيمياء (57 عاماً) لإنشاء معمل يدوي بسيط لصناعة المنظفات المنزلية، ليؤمن لعائلته دخلاً بديلاً عن راتبه الشهري الذي حرم منه لفصله من عمله كمدير لإحدى مدارس مدينة كفرنبل فصلاً تعسفياً، يقول دندوش: “لم أكن أتخيل أنني سأترك التعليم، مهنتي المحببة وأضطر لإنشاء هذا المعمل، رغم أنه من صلب اختصاصي كمجاز وأحمل إجازة في الكيمياء التطبيقية منذ عام 1983. ولعدم وجود دخل آخر لجأت إلى هذا المعمل اليدوي”.
وعن الصعوبات التي تواجه مصنعه تحدث دندوش: “ضعف الإنتاج بسبب عدم القدرة على شراء الآلات، وارتفاع أسعار المواد الأولية والكلفة الزائدة في نقلها، إضافة إلى توزيع المنتجات المحدود، ووجود منتجات تجارية رخيصة بعيدة عن القياسات العلمية تستغل القدرة الشرائية الضعيفة لدى المواطنين، وافتتاح معامل من قبل غير الاختصاصيين”.
خالد السويد (48 عاماً) يحمل إجازة من كلية التربية، افتتح معمل منظفات رغم بعده عن هذا الاختصاص: “بعد فصلي من عملي في التعليم وقطع راتبي قمت بافتتاح معمل منظفات نهاية شهر آب/أغسطس 2013 حيث قمت بشراء المعلومات الخاصة بالمعادلات الكيميائية لإنتاج بعض المنظفات. تعذبت كثيراً حتى استطعت انتاج منظفات مطابقة لمنتجات المعامل الكبيرة”.
ويضيف السويد: “إن غياب الرقابة على المنتجات دفع بعض المعامل لإغراق الأسواق بمنتجات رخيصة تناسب ضعف حالة المواطنين المالية، وذلك أثر كثيراً على المنتجات الجيدة التي يتجه المواطن لشرائها بعد تجربة النوعيات الرخيصة. ونواجه حالياً احتكاراً من تجار الجملة الذين يتحكمون بأسعار المواد الأولية المستوردة من تركيا، لأن النظام يمنع مرور هذه المواد إلى المناطق المحررة بحجة استخدامها في صناعة المتفجرات”.
هاشم الرحمون (34 عاماً) النازح من خان شيخون، وجد في مدينة كفرنبل منطقة شبه آمنة نسبياً ويقول: “لأن خان شيخون أصبحت على خط التماس مع قوات النظام، كونها نهاية ريف ادلب الجنوبي فإنها تتعرض إلى عمليات قصف دائمة وبكافة أنواع الأسلحة. اضطررت إلى نقل معمل منظفات والدي الكيميائي إلى كفرنبل، وافتتحت معملاً بسيطاً لبعض منتجات المنظفات”.
كان معمل الصناديق البلاستيكية قد بدأ الإنتاج في بداية آب/أغسطس 2010، لكنه توقف عن العمل لبعض الوقت بسبب الأوضاع والمشاكل التقنية.

ويقول مالكه يامن المحمود (34 عاماً): “يعتمد المصنع على إعادة تدوير بقايا المنتجات البلاستيكية التي يتم شراؤها من الأهالي مهما كان نوعها ثم نقوم بجرشها وطحنها و من ثم تحويلها إلى صناديق للخضار والفواكه”.

ويشكو الحاج عبود (73 عاماً) تاجر الجملة لمواد التنظيف، تراجع الأهالي عن شراء بعض المنتجات صاحبة الماركة والاسم المشهور، والتي تتمتع بجودة صناعية عالية مقابل ازدهار تجارة البضائع الرخيصة ذات الجودة المتدنية. ويلقي باللوم على المجلس المحلي والمحكمة الشرعية لعدم اشرافهم على هذا الموضوع، وعدم تدخلهم لمنع هذه المنتجات التي تعتبر برأيه نوع من أنواع النصب والاحتيال المسموح والذي انتشر بكثرة هذه الأيام.
أم أحمد (58 عاماً) ربة منزل تقول: “أقوم برعاية أحفادي لإبني الشهيد. زوجي موظف متقاعد وحالتنا المادية ضعيفة لكنها مستورة، وأنا أحاول بقدر استطاعتي توفير أي قرش لهم، لذلك أقوم بشراء أي منتج رخيص ولا تهمني جودته”.
المهندس عبد الرزاق الحمود (34 عاماً) عضو المجلس المحلي في مدينة كفرنبل يقول “تعتبر حالة الأمان أهم الأسباب المؤدية لانتعاش كافة جوانب الحياة ومنها الصناعة”. وأضاف الحمود :”بسبب الأوضاع الأمنية الغير مسقرة تراجعت الصناعة في المناطق المحررة، حيث قام بعض الصناعيين بنقل معاملهم إلى مناطق النظام أو إلى تركيا. وبنفس الوقت أقيمت معامل صغيرة لغير المختصين وأصحاب الخبرة بهدف توفير المواد التي فقدت من الأسواق وهي وسيلة لكسب لقمة العيش”.
ويتابع الحمود: “إن أهم المشاكل التي يواجهها السوق في المناطق المحررة تكمن في كثرة المنتجات التجارية الرخيصة، التي تعتمد على نوعية صناعة رديئة مقابل انخفاض أسعار هذه المنتجات. بسبب عدم وجود أي نوع من أنواع الرقابة لمحاسبة المنتجين، ولأن المجلس ليس له صلاحية أو جهة أمنية تساعده في قمع المخالفات الكثيرة الموجودة في المجتمع، ومنها خاصة المنتجات الصناعية. وكل متضرر عليه اللجوء للمحكمة الشرعية للبت في هذه الأمور، حيث دخلت الفوضى على كل مجالات الحياة، وأصبح الجميع يعمل بمهن ليس له علاقة بها مما أدى لتراجع ملحوظ في جودة المنتجات”.
ينفي رئيس المحكمة الشرعية في كفرنبل الشيخ أيمن البيوش (37 عاماً) أن تكون المحكمة قد تلقت أي شكوى بخصوص أي منتج حتى الآن، ولكنه يقرّ من جهة ثانية بـ “عجز المحكمة عن اتخاذ أي إجراء بحق المخالفين في حال وجود شكوى، لعدم توفر الخبراء ومخابر التحليل اللازمة لتحديد جودة المنتجات”.