صديقي السلفي أيضاً مع الثورة

ليلى السورية

انقطعت أخبار فداء منذ أيام. لا كتابات جديدة على الحيطان، ولا أحد رآه في أي مظاهرة، ولم ترد حتى أي أنباء عن اعتقاله.

فداء، الشاب الذي التحق بالثورة السورية منذ عام مضى وهو طالب في السنة رابعة بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق، سلفيّ، ويقوم بتدريس الصغار علوم الفقه في جامع البوطي. كان يمرّ بأحد أحياء دمشق عائداً من جامعته، حيث شاهد باصاً للأمن السوري، يزج عناصر الأمن المتظاهرين إلى داخله ويقومون بضربهم بأعقاب البنادق. غضب فداء لهذا المشهد، كما يقول أحد أصدقائي الذي شهد الحادثة، والتفت إلى رفيقه قائلاً:

– هل تريد الإستشهاد؟

أجابه صديقه دون تردد:

– نعم.

إندفع فداء إلى باب الباص حيث ألقيت بندقية هناك، بينما قام صديقه بحماية ظهره، وحمل تلك البندقية ووجهها إلى عناصر الأمن مهدداً بأنه موجود هنا ليموت. “أنا طالب شهادة”، صرخ بهم، مجبراً إياهم على إنزال المتظاهرين الذين اعتقلوهم.

“أنزلوهم،” قال لهم. “إنصرفوا الآن، نحن لن نطلق النار.” ركبوا باصهم، فأرسل صديقه يغلق الباب وراءهم مطلقاً النار في الهواء، ثم هرب.

“السلفية” كانت إحدى التهم التي وجهها النظام إلى المتظاهرين السوريين لتشويه صورتهم، في الداخل والخارج، حيث يتم ربط كلمة السلفية بتنظيمين سياسيين: تخويف الداخل منه المتظاهرين عبر ربطهم بحركة الإخوان المسلمين، وما يلحق بها من اتهامات النظام لهم بارتكاب جرائم ضد السوريين في الثمانينات من القرن المنصرم، وتخويف الخارج منهم عبر ربطهم بتنظيم القاعدة وجرائمها.

كلمة السلفية في اللغة العربية تعني التمثل بأخلاق الأسلاف، أي الصحابة والتابعين لهم وتابعيهم، أي السابقين في العلوم الدينية. والحركة السلفية منتشرة في سوريا منذ وقت طويل، ولها أئمتها ومشايخها ومنهم في سورية: جمال الدين القاسمي (1866-1914)، ومحمد ناصر الدين الألباني (1914 – 1999) وعبد القادر الأرناؤوط (1928-2005).

بقي العديد من مشايخ السلفية المعاصرين بعيدين عن “حركة الإخوان المسلمين في سورية”، وشارك بعضهم في مؤتمرات المعارضة السورية في الداخل والخارج، من هؤلاء الشيخ محمد عيد العباسي، الذي تتلمذ على يد الشيخ الألباني منذ الخمسينات، وقد أكد في مقارنة بين نظرته كشيخ سلفي وبين منهج عمل الإخوان المسلمين في الثمانينات قائلاً:
“كنت محتجاً على ما يفعلون، والنية الطيبة لا تكفي، فالمنهج العقلاني والشرعي مطلوب، وكنا متفقين على ذلك مع الشيخ الألباني.”

الشيخ محمد عيد العباسي عضو في “هيئة الإنقاذ الوطني” التي يرأسها المحامي هيثم المالح، والتي شارك في نقاشاتها ومؤتمراتها عدة جهات من المعارضة السورية، وكان الشيخ العباسي قد رد بكتابه “بدعة التعصب المذهبي”، ثم ملحقه “رسائل الدعوة السلفية”، على كتاب “السلفية” للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، حيث اتهم الأخير السلفيين بالتعصب. وقد تعرض الشيخ العباسي للإعتقال في سجن المزة العسكري على خلفية نشاطه الديني والفكري. وهو يقول عن الثورة في سورية: “إن ثورة الشعب السوري تدعو إلى إحقاق الحق والحرية والكرامة والعدالة، و”القاعدة” ليست كذلك، وهذه الثورة ليست من أجل إقامة دولة إسلامية، بل من أجل إعطاء الحرية للناس.”

بينما يعتقد جزء من السلفيّين أن طاعة الحاكم واجبة تحت أي ظرف من الظروف، يعتقد الجزء الآخر أنّ الدفاع عن المقدسات وعن النفس والعرض والمال هو جهاد، وهو فريضة على كل مسلم، وهو ما قام فداء بممارسته، إذ أنفق الثلاثمئة ألف ليرة سورية التي ادخرها لزواجه على الشكل التالي: مئة ألف ليرة سورية لإعانة أسر المعتقلين ممن يعرف بحاجتهم، مئة ألف ليرة سورية اشترى بها صناديق من البخاخات وأمتار من القماش وأعلام الإستقلال ومكبرات الصوت وطابعة ملونة لطباعة المناشير، ومقابل المئة ألف ليرة سورية المتبقية ابتاع قبراً له، كما اشترى كفناً.

أنظر إلى الجدران التي كنت أرى فداء بين المظاهرة والأخرى يبخّها بشعارات “سلمية وعدالة وحرية،” ويلقي المناشير في الشوارع. وآمل، أنا العلمانية، أن أرى هذا البطل بخير مجدداً، وهو يكاد لا يعرفه أحد، مع أنه اعتقل ثلاث مرات.