شقق سكنية جديدة تستقبل مهجري ريف دمشق

"اليوم أنعم بالاستقرار بعد رحلة نزوح متعبة، فقد سكنت الخيام لأكثر من عامين مع أبنائي بعد نزوحنا من ريف حماه، تلك الخيام لم تكن لتحمينا من برد شتاء أو حر صيف، إلى أن منَّ الله علينا بالاستقرار في هذا المجمع"."

سلمى الابراهيم ، احدى المستفيدات

عاصم طه اضطر مع عائلته لمغادرة منزلهم في ريف دمشق. اتجهوا إلى ريف إدلب في رحلة لا تخلو من المشقة، وبعد مضي أشهر على تنقلهم بين المخيمات الحدودية، يستقر بهم المقام في مجمع الرحمة السكني حيث الاستقرار والخدمات.
جمعية الوفاء للإغاثة والتنمية افتتحت مشروع الـ 100 شقة سكنية الممول من منظمة هيومان أبيل الأوسترالية. بغية إيواء 100 عائلة من المهجرين من وادي بردى وعرسال وعقيربات وبعض الأماكن المجاورة، في محاولة لتخفيف العبء عن المهجرين وإيواء الأكثر تضرراً منهم.
عاصم طه (40 عاماً) يقول: “أصبت بشلل قدمي اليمنى جراء القصف على مناطق ريف دمشق. فخرجنا مع الأهالي والمقاتلين بموجب ما تم وصفه بالمصالحات الوطنية. قصدنا ريف إدلب باحثين عن حياة أكثر أمناً، غير أننا واجهنا الكثير من المتاعب والتشرد”.
ويضيف طه: “حاولت البحث عن منزل يأوينا وخاصة وأن عائلتي كبيرة ومؤلفة من زوجة وثمانية أولاد”.
فوجئ طه بارتفاع أسعار الإيجارات التي لا تتناسب وحالته المادية المزرية. فاضطر لقصد المخيمات الحدودية ليحظى بخيمتين مهترئتين على حد تعبيره. غير أن ذلك لم يكن ليشكل مشكلة له طالما أن الطقس آنذاك كان دافئاً.
“كنا في أواخر فصل الصيف، غير أن الأمر لم يعد مقبولاً وقد أصبحنا على أبواب الشتاء، فكان لابد من إيجاد منزل كي لا نهلك من البرد” يقول طه ويلفت إلى أنه حينها سمع عن وجود مجمع الرحمة السكني واستعداده لتقديم منازل جديدة للمهجرين.
توجه طه إلى المجمع وقام بتسجيل اسمه ليكون أحد المستفيدين بالحصول على شقة داخل المجمع الجديد. ويعبر طه عن سعادته قائلاً “صحيح أن مساحة المنزل ضيقة بعض الشيء ولكنه يبقى أفضل بكثير من المخيمات، فحمداً لله الذي هيأ لنا هذا المأوى”.
لم تكن الـ 100 شقة سكنية الوحيدة المتواجدة في مجمع الرحمة السكني وإنما كانت الأحدث. إذ أن المجمع كان موجوداً منذ بداية عام 2016، وهناك مشاريع أخرى مشابهة في المنطقة ومنها المجمع التابع لجمعية الهدى الخيرية.
وحول المجمع يتحدث بشكل مختصر مدير جمعية الوفاء أحمد المحمود فيقول: “تم إنشاء مجمع الرحمة السكني بهدف استيعاب الأعداد المتزايدة من المهجرين والنازحين من مختلف المحافظات السورية إلى ريف إدلب”.
ويضيف المحمود: “استغرق بناء المجمع حوالي التسعة أشهر، وهو يتألف من 7 أبنية، وكل بناء يتألف من 3 طوابق، في كل طابق 8 شقق بمساحة 64 مترا، وهو مؤلف من غرفة ومطبخ ومرافق صحية”.
لا يغيب عن المحمود ذكر الداعمين للمشروع وهم جمعية الرحمة العالمية، إضافة لعدد من الجمعيات الكويتية، ويقدم المجمع عدداً من الخدمات الأساسية للمقيمين ومنها وجود مدرسة للحلقتين الأولى والثانية، ومحلات تجارية، كما وقد تم حفر بئر مائي بغية توفير المياه للمجمع بشكل دائم، ويسعى القائمون على المشروع إلى تزويد كامل المجمع بألواح طاقة شمسية بأجور رمزية تؤمن كلفة التشغيل بحسب المحمود.
أما فيما يخص الـ 100 شقة التي أنشئت حديثاً لتستوعب عدداً جديداً من مهجري ريف دمشق وريف حماه فيتحدث عنها مدير مكتب جمعية الوفاء في الداخل محمد الخالد (31 عاماً) فيقول: “بدعم من منظمة هيومن آبيل وبالتنسيق مع جمعية الوفاء للإغاثة والتنمية تم افتتاح 100 شقة سكنية في قرية حاس، وتسليمها للمهجرين وفق معايير أهمها أن يكون المستفيد أرملة أو أحد مصابي الحرب ثم يأتي المحتاجين والنازحين المتضررين. وبلغ عدد الشقق بما فيها القديمة والجديدة 300 شقة سكنية”.
ويقول الخالد: “نحاول تقديم أفضل ما يمكن للمهجرين، ونسعى من خلال تأمين المأوى لهم المحافظة على كرامتهم، وتثبيتهم في أوطانهم ، والحد من ظاهرة الهجرة”. وقد حصل المستفيدون إضافة للشقق على سلال غذائية وسلال نظافة وبعض المفروشات الضرورية. .
الأرملة سلمى الابراهيم (35 عاماً) احدى المستفيدات اللواتي تم اختيارهن للحصول على شقة مع أبنائها الأربعة ، تقول: “اليوم أنعم بالاستقرار بعد رحلة نزوح متعبة، فقد سكنت الخيام لأكثر من عامين مع أبنائي بعد نزوحنا من ريف حماه، تلك الخيام لم تكن لتحمينا من برد شتاء أو حر صيف، إلى أن منَّ الله علينا بالاستقرار في هذا المجمع”.
الابراهيم تشعر بالراحة بعد أن تدخل شقتها وتغلق الباب على نفسها وأولادها. لطالما بحثت عن منزل يشعرها بالأمان سابقاً ولكن دون جدوى، كونها لا تقوى على دفع أجرته، فهي بالكاد تؤمن قوت يومها من خلال عملها بالأعمال الزراعية. فمن أين لها دفع أجرة المنزل التي لا تقل عن عشرين ألف ليرة سورية شهرياً.
كان حصول الابراهيم على شقة في المجمع هو أشبه بـ “حلم تحقق”، وتعبر عن ذلك بالقول: “وكأنني في منزلي، فكل شيء متوفر هنا ،والحياة لم تعد شاقة كما كانت، أحب منزلي الجديد وأكثر ما يسعدني هنا هم جيراني الطيبين الذين أتشارك معهم الآمال والآلام”.
لقي المشروع تأييداً واستحساناً من مختلف المنظمات والهيئات والمجالس المحلية في المنطقة، أحد أعضاء المجلس المحلي في معرة النعمان أحمد طعمة (38 عاماً) يشدد على ضرورة إنشاء المزيد من هذه المشاريع التي من شأنها استيعاب النازحين وتأمين المأوى لهم، وتخفيف الضغوط على المجالس المحلية.
ويقول طعمة: “كثيراً من الأحيان تواجهنا مشاكل وصعوبات في تأمين مأوى للأعداد الكبيرة من النازحين في ظل قلة عدد المنازل المتوفرة، نلجأ للترميم السريع لبعض المنازل شبه المهدمة، ونسكن بعض العوائل فيها، فيما نضطر لإرسال عائلات أخرى إلى المخيمات لعدم توافر المأوى المناسب”.
على الرغم من وجود مثل هذه المجمعات السكنية وتوفير الخدمات الأساسية فيها للمهجرين،