شتاء السوريين بطعم المازوت والبنزين
رفع أسعار المحروقات أدى إلى ارتفاع تعرفة نقل الركاب
(دمشق- سوريا) ليلى (43 عاماً) تقول وهي تنتظر عند موقف الباص في دمشق للذهاب إلى مركز عملها “مافي سرفيس، وتكسي ما فينا نركب، وأسعار نار، والله حرام ما ضل معنا مصاري، شونساوي؟ عم نشتغل من الصبح للمسا وبالآخر ما عم يكفينا إلا حق أكل، كيف بدنا نعيش؟” يرّد عليها محمد (36 عاماً) متهكماً: “لا بأس فداء لكرسي الرئاسة، تحمّل يا مواطن واستمر في تذلّلك
للمسؤولين الذين لا يأبهون إن ذهبت إلى جامعتك أو عملك سيراً على الأقدام او بالباص”.
طلاب مدارس، موظفون، طوابير من الناس تنتشر على الأرصفة والطرقات، منهم من ينتظر باصات النقل، ومنهم من أصابه اليأس فقرر السير على أقدامه ، أزمة مواصلات خانقة، وسائقي الباصات قرروا أن لا يعملوا بسبب عدم توفّر المازوت وارتفاع سعره.
“كنا ننتظر من الحكومة عيدية وليس أزمة جديدة”، يعلق جواد (52 عاماً) سائق باص على خط (جرمانا – كراج الست)، ويضيف: ” الناس تحتّج لأننا لا نعمل، وكيف نعمل مع هذه الأسعار المجنونة؟ وحتى لو قرّرنا العمل فمادة المازوت في أحيان كثيرة غير متوفرة، وعندما تكون متوفرة ننتظر أحياناً لساعتين لتعبئة خزانات الوقود”.
سائقو التكسي ليسوا بأحسن حالاً، فارتفاع أسعار البنزين دفع البعض إلى إزالة العداد، يقول أحدهم ويدعى عاصم (28 عاماً) “هل يريد منا المواطن العادي ان نلتزم بالعدّاد مع هذا الغلاء، لا يعلم المواطن العادي أننا نقف على كل حاجز ما لا يقل عن نصف ساعة أو ساعة، ومع كل دعسة بنزين في هذه الزحمة يصبح خزّان السيارة فاضياً”.
في ظل هذا الوضع المتفاقم أصلاً، رفعت الحكومة السورية سعر مادتي المازوت والبنزين، ليصبح سعر ليتر المازوت 80 ليرة بعد أن كان 60 ليرة، في حين ارتفع سعر ليتر البنزين لـ 140 ليرة بعد أن كان 120 ليرة.
الحكومة السورية تعزو السبب في ارتفاع أسعار المحروقات إلى قلة توافر الوقود في مختلف المحافظات السورية، وبيع تجّار السوق السوداء الكميات المتوفرة بأسعار مرتفعة، والانقطاع الكبير في التيار الكهربائي نتيجة الاستهداف المتكرر لمحطات التوليد.
رفع أسعار المحروقات أدى إلى ارتفاع تعرفة نقل الركاب، حيث زادت الأجرة خمس ليرات للباصات العاملة على المازوت، فيما باتت تعرفة ركوب التاكسي وفقا لمزاج السائق، ما يضاعف من عملية استغلال المواطنين الذين يعانون أصلاً.
من جهة ثانية يخشى التجّار أن يتسبب ارتفاع أسعار المحروقات في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. علاء (29 عاماً) طالب يدرس الفنون الجميلة، روى لـ”دماسكوس بيورو” كيف اُضطر والده إلى إغلاق محله الصغير لصنع الفطائر، بسبب غلاء الطحين، وارتفاع سعر المازوت وعدم توفره.
“تكاليف المحل من المازوت شهريا تصل إلى 120 ألف ليرة، هذا عدا عن تكاليف الطحين المادة الاساسية لصنع المعجنات والتي تضاعفت أسعارها مؤخراً أيضا، وباتت رهينة التجّار. والنتيجة اختيار أصحاب المهن الصغيرة غير القادرين على مواكبة الغلاء الإقفال المؤقت أو الإغلاق النهائي” يقول علاء .
ويقول جهاد (46 عاماً) صاحب محل لبيع الألبسة الجاهزة في دويلعة (ريف دمشق)”المنتجات المحلية والألبسة سترتفع أسعارها أيضاً، نتيجة ارتفاع تكاليف انتاجها ونقلها، كما سترتفع كلفة الاشتراك واستهلاك التيار الكهربائي في المناطق التي تعتمد على المولدات”.
ارتفاع أسعار المحروقات انعكس واقعاً أليماً في حياة السوريين الذين يعانون في الأساس حرباً مستمرة منذ ثلاث سنوات، والذين يُعدّون العدّة لفصل الشتاء. يقول الحج محمد (60 عاماً) ُمهجّر من المليحة إلى جرمانا، “لم نتأثر بارتفاع الأسعار، في الشتاء الماضي اعتمدنا على الملابس السميكة والأغطية الصوفية في ظل الانقطاع الدائم للكهرباء، وعدم قدرتنا على توفير المازوت، ويبدو أننا سنكرر التجربة هذا العام”.
في ظل الظروف الأمنية الصعبة والموت العشوائي ومع ضيق الخيارات المتاحة أمامهم، يواصل السوريون بحثهم عن بديل للتدفئة، لكن حتى البديل الذي يمكن أن يكون حلّا تحوّل إلى عائق. مهنة التحطيب على سبيل المثال كانت بديلاً عن انقطاع الكهرباء وعدم توفر المازوت، خاصة في المناطق والقرى المجاورة للأحراج والغابات، انتشر التحطيب بكثرة خلال الشتاء الماضي، كلّ شخص يحمل عدّته من الفؤوس، ومعه سيارته أو درّاجته النارية ينقل عليها ما احتطبه، الأكثر قدرة اشترى منشاراً كهربائياً ولكنه ترك أثراً كارثياً على البيئة، حيث أُزيلت مناطق حرجية بأكملها، عمر بعض أشجارها يتجاوز عشرات السنين.
وفقاً لمنظمة الامم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن الغابات لا تشكل سوى 1.4 بالمئة من مساحة الاراضي السورية. قبل بدء الحرب المستمرّة منذ ثلاث سنوات ونصف، كانت هناك دوريات من حرّاس الأحراج تتولى حماية الغابات، وتوقيف كل من يقوم بقطع الأشجار دون ترخيص، لكن استمرار النزاع وانعدام السياحة، دفع الناس الى الاعتماد على الأشجار في التدفئة.
الاعتماد على الحطب بديلا عن المازوت لم يحل المشكلة.يقول تاجر الحطب رضا (41عاماً) “تتراوح أسعار الحطب بين 8 آلاف إلى 12 ألف ليرة حسب نوعية الشجر، فالسرو والصنوبر من أرخص الأنواع، أما السنديان فهو الأغلى وكذلك طريقة التقطيع، قطع كبيرة أو صغيرة ومدى جفافه، فجميعها تؤثر في سعره”.
يضيف رضا: “غالبية المواطنين تحولوا إلى التدفئة على الحطب، ما أدى لازدهار تجارته العام الماضي والحال نفسه هذا العام، فالمازوت إلى مزيد من الارتفاع”.ولا يغفل رضا عن الإشارة إلى “أن الاعتماد على الحطب دفع البعض إلى استغلال حاجة الناس للمادة والتحكّم بالأسعار، ففتحوا ورشاً للبيع والتحطيب وفقاً لأهوائهم ورغباتهم”.
تعود العجوز أم رشيد (90 عاماً) بالذاكرة إلى طفولتها “أتذكر عندما كنا صغاراً ولم يكن لدينا كهرباء وقبل استعمال المازوت للتدفئة، كنا نتدفأ على الحطب والتمز (تمز الزيتون)، كل العائلة كانت تجتمع في غرفة واحدة حول الموقدة، أشعر بالسعادة أنني استعدت بعضا من الماضي الجميل، لقد كان ماضياً دافئاً رغم قساوة الحياة والبرد” .