شبابُ داريا يرفضون الزواج من إدلبيات؟!
عرس جماعي أقيم قبل فترة لشباب داريا تصوير شمس الدين مطعون
"يلجأ بعض الشبّان القادمين من داريا إلى إدلب، إلى استقدام عروسٍ من العاصمة دمشق"
كانت فكرة النجاة من الموت ومنع تقدّم قوات النظام من دخول المدينة، الهاجس الأكبر الذي يشغل تفكير أبناء مدينة داريا في ريف دمشق، ويؤرقهم.
لكنّ ذلك اختلف كما طريقة الحياة، باختلاف المكان… فبعد التهجير القسري الذي حمل 750 عائلة و600 شاباً أعزباً إلى محافظة إدلب المحرّرة التي لا تعاني حصاراً كحصار داريا وما تزال تنبض بشيء من الحياة، أصبح التفكير بالعمل وجني المال وإيجاد المأوى ومتطلبات الحياة المختلفة، أمراً ضرورياً.
ومن أكثر الأمور التي يفكر بها الشباب عادةً، الزواج وبناء الأسرة… ولكنّ الأمر لم يكن بهذه السهولة، فعقبات كثيرة واجهت شباب داريا عند التفكير بهذا الأمر، استطاع البعض تجاوزها فيما لا يزال كثيرون يقفون أمامها.
يروي عبد المجيد (26 عاماً) لـ حكايات سوريا تجربته الشخصية مع الزواج في ظل الحرب: “كان الأمر بالنسبة لي أكثر سهولة منه قبل أيام الثورة. في أيام الحصار في داريا كانت المسافات قريبة بين الأهالي لا سيّما أنّ عدد السكان كان قليلاً، حينها تعرّفت على أسرة لديها بنات بعمر الزواج، فأحببت إحداهن وعقدتُ قراني، وفكرة الزواج والعرس كانت مؤجّلة… فهذا كان اتفاقي مع أهل الفتاة”.
مضى عامان على خطوبة عبد المجيد واشتدت المعارك وازداد الحصار، “صار الزواج حلماً” يقول عبد المجيد، مستدركاً: “لكنّ الحرب كانت فرصة للتعرُّف على شريكتي أكثر فأكثر، ففي الشدائد تظهر معادن الناس”.
ويتابع عبد المجيد قصته التي انتهت بالزواج: “عند وصولنا إلى إدلب، ارتحنا من عناء القصف وأخذتُ قسطاً من الراحة واستطعتُ إيجاد منزلٍ، وفي حفلة بسيطة زُفّت إلَي عروسي التي كانت قد نزحت معي من داريا”. ويختم عبد المجيد مبتسماً: “أعيشُ حياةً سعيدةً الآن، فقد حصلتُ على وظيفة في إحدى المنظمات، وتزوّجتُ بالفتاة التي أحببتُها لعامين”.
من جانبٍ آخَر، يقول نضال (24 عاماً): “في داريا لم نكن نفكّر بشيء، كنّا نكبر وتمر السنوات دون أن نشعر!” وصلَ نضال إلى إدلب ولم تكن المرة الأولى التي يزور فيها المدينة، فقد أقام فيها لأشهرٍ عندما اقتيد إلى جيش النظام وخدم في قطعة عسكرية قبل انشقاقه والتحاقه بثوّار مدينته داريا.
كان نضال برفقة أصدقائه، أمّا عائلته فقد لجأت إلى لبنان منذ اندلاع المعارك في داريا.
سعى نضال للزواج كما كثيرٍ من أصدقائه الذين تزوّجوا… لكن دون جدوى! وكما يقول: “في إدلب لم تكن المشكلة المادية هي العائق فباستطاعتي تأمين منزلٍ وفرشٍ بسيط للزواج، ولكنّ العروس هي المشكلة!”
بشيء من خيبة الأمل يتحدّث نضال: “لم أستطع إيجاد عروس في إدلب، فالعوائل التي قدمت من داريا معظمها كانت قد زوّجت بناتها”.
وبعد أن صُدّت الأبواب في وجهه، يقول: “أهالي إدلب طيبون ولا أمانع من مصاهرة إحدى العوائل الإدلبية، لكن لم أستطع الإقدام على هذه الخطوة، فإختلاف العادات والتقاليد بين سكان الريف الدمشقي وأهالي إدلب شاسع جداً”.
ويوضح نضال أنّ غلاء المهور واشتراط أهل العروس أن يسكن بالقرب منهم وطريقة العرس وعدم وجود أهله معه لإتمام تقاليد الخطوبة وزيارة أهل العروس لطلبها… كل هذه الأشياء كانت مشكلة بالنسبة لهُ.
وبحسب سعيد السلموا يحمل شهادة دكتوراه في الشريعة الإسلامية فإن الشرع يوصي بتيسير المهر ولكن لا يجبر على تيسيره، بل ترك الحرية للزوجين في تحديده.
ويقول حسن الإدلبي من قرية جوباس في ريف إدلب “إن عادات معظم قرى إدلب هي عدم تزويج البنات للغرباء عملاً بمقولة أن القريب أحسن من الغريب ” .
ويتابع حسن: “أهل قريتي يعتبرون الشاب من قرية أخرى قريبة غريب ولا يمكن تزويجه فالبنت من نصيب ابن عمها أو أحد أقربائها من نفس القرية. فما بالك بمن هم من خارج المحافظة. من ريف دمشق مثلا … فمن المحال أن يقبلوا بتزويجه”.
أبو عبدو، وهو من بلدة سرمين في ريف إدلب لا يمانع من مصاهرة العوائل التي جاءت من مناطق مختلفة ويقول: “يجب علينا أن نكسر العادات التي هي من زمن أجدادنا، لو أن لدي بنت بسن الزواج لما ترددت بخطبتها لأول طارق على بابي من إخوتنا المهجرين”.
من جهة أخرى يقول الأستاذ ملهم الحراكي المختص النفسي، إنّ تخوّف الشباب من الإقبال على الارتباط بفتاة من مدينة أخرى هو أمر طبيعي ويتجلّى التخوف في صعوبة التعارف بشكل أسرع واختلاف طريقة الحياة والتفكير بين أهل منطقة وأخرى.
ويرى الحراكي “يجب على الشاب عندما يقبل على خطوبة الفتاة أن يُطيل فترة الخطوبة ليزداد التعارف بينهما، وبالتالي ستكون الحياة الزوجية أكثر هدوءاً”. ويشير: “يجب تفعيل فكرة إنشاء دورات تأهيل الزواج، فهي تساعد على فهم الطرف الآخر وتقلّل من نسبة المشاكل بعد الزواج في ظل ظروف النزوح واختلاف العادات”.
من جهةٍ أُخرى، يلجأ بعض الشبّان القادمين من داريا إلى إدلب، إلى استقدام عروسٍ من العاصمة دمشق!
أبو يوسف (27 عاماً) سيعقد قرانه على إحدى قريباته المقيمة في منطقة الجديدة بالقرب من العاصمة دمشق، حيثُ يقول لموقعنا: “نزحتُ من داريا إلى إدلب وبحثتُ كثيراً فلم أجد فتاةً تناسبني، وعندما كلّمت والدتي عن الأمر، قالت أن ابنة خالتي أصبحت بسن الزواج وأن أهلها لا يمانعون من إرسالها إلى إدلب، فلها أخوة هناك”.
تردَّدَ أبو يوسف بعض الشيء وكانت مخاوفه كبيرة من تعرُّض العروس لمشكلة في رحلتها من العاصمة إلى الشمال، وتبلغ 300 كيلومتراً. ويقول: “استطعتُ إيجاد سيارة نقل خاصة لكنَّ كلفتها 200 ألف ليرة سورية (400 دولاراً)، هنا كانت الصعوبة في تأمين المبلغ وتأجّل عقد قراني عدة أشهر. لكنَّ هذه المشكلة قد حُلَّت مؤخراً بتأمين المبلغ وسأتزوّج قريباً”.
وبذلك أصبحت الطريقة التي أقدم عليها أبو يوسف باستقدام عروسٍ من دمشق، حلاً مناسباً لكثير من أصدقائه الوافدين من داريا إلى إدلب، لكنّ مشكلة أُخرى عالقة، أنّ بعض العائلات المقيمة بعيداً عن إدلب لا ترضى بإرسال بناتها إلى أماكن بعيدة لذا قوبلت طلبات الكثير من الشباب بالرفض.
وبذلك، تتنوَّع أوجه الزواج بالنسبة للشباب الذي هُجّر من داريا إلى إدلب، لتبقى في جميع الأحوال غصّة الحرب تُنغِّص أيِّ فرحة.