سوق العمل كغابة الوحوش
شباب ينتظرون منذ ساعات الفجر الأولى للتقدم بطلب عمل في إحدى المؤسسات
"بدأت أدرك حجم الخطأ الفادح الذي أوقعت نفسي به، فلم أستمع لأحد ولا حتى والدي، ولا حتى قلبي الذي قبض عندما دخلت هذه الشركة. وبعد أيام أردت أن أقول لهم لم يناسبني العمل، وأنني أريد حقي وبدل أتعابي خلال الشهر الذي عملت به. "
ها أنا الآن بدأت أبحث عن عمل يحقق لي مردوداً مالياً يكفي لسد احتياجاتي، ولأخفف العبء عن والدي.
لم اقصر في البحث عن عمل ولو بعيدا عن مجال دراستي، وحتى أسلوبي في الحياة. قررت التنازل عن أمور كثيرة، حتى احقق لنفسي حياة مستقلة. بدأت أبحث عن أي فرصة عمل عن طريق إعلانات المجلات والصحف والمواقع الألكترونية.
كنت انا وصديقة لي نحاول ان نساند بعضنا البعض للحصول على عمل شريف ومناسب. وبعد فترة وجدت إعلانا في أحد المواقع عن شركة تعمل في مجال التسويق والإعلان. لم أكن أعلم أن تلك الشركة لم يكن يهمها أحدا من موظفيها. كانت تتعامل تستغل جميع من يعمل فيها تسرق تعبهم وأفكارهم.
قرأت الإعلان وأصابتني الفرحة. قلت في نفسي: وأخيراً وجدت عملاً قريباً من منزلي. وهو لا يتطلب مواصفات وخبرات كثيرة. اتصلت برقم الهاتف المنشور في الإعلان، فأجابت موظفة وقامت بتحديد موعد لإجراء مقابلة، لتحديد المستوى المهني الذي كنت أتمتع به.
صحيح لم يكن لدي الخبرتي المقبولة، ولكنني كنت قوية، لا أحب الضعفاء. كنت أحب أن أدافع عن نفسي بكل جوارحي. ذهبت مترددة كثيراً وخائفة جداً. دخلت غرفة كبيرة جداً، أحسست بقلبي قد انقبض. ولكنني قلت أنا اخاف من الاماكن الغريبة. وسأتعود يوماً بعد يوم.
في الغرفة وجدت أحدهم كان خلف مكتبه. طرح عليّ بعض الأسئلة. كان لطيفاً والتعامل معه ظريف. لم يكن متكبراً ولا لئيماً بتعامله. وبعد ما سأل ما أراده قال لي: سنتصل بك بعد فترة.
طبعاً أهلي عارضوا الفكرة. ولم يحبذوا العمل ولم يحبذوا التوقيت وكل شيء. ولم يكن لهم أي خاطر بأن أعمل. ولكنني لم اقتنع وما زلت مصرة على موقفي، وعلى بدء العمل إذا اتصلوا بي. وبعد يومين اتصلوا بي لأبدأ بالعمل. وكان العمل على أساس أنه في المكتب فقط.
وفي صباح اليوم التالي استيقظت نشيطة فرحة، لأنني حصلت على العمل الذي كنت أحلم به. كنت سعيدة بما حصلت عليه، وذهبت مسرعة إلى عملي. بدأت أعمل يوماً تلو الآخر ضمن المكتب. أحسست أنني أنجزت الكثير، وتحديت الجميع وتفوقت عليهم.
ولكن الصدمة الكبرى أنهم أرادوا أن يعدّلوا طبيعة عملي كلياً. يريدونني الآن في قسم التسويق. بحيث أعمل مع فتاة أخرى على تسويق البضائع وهو عمل يتطلب الخروج إلى الأسواق ومقابلة الزبائن. وهو مجال لا خبرة لي فيه.
قلت في نفسي سأحتمل أسبوعاً. اجول في الشارع وأدق على الأبواب لأعرض المنتجات. مع أنني أعرف ردود فعل الناس وكونهم يخافون، وأنا أيضا كنت خائفة من دخول أمكنة غريبة ومجهولة. كان الخوف يتسلل إلى أطرافي. كنت أسمع أخبار الفتيات اللوات يتعرضن للتحرش وهو ما زاد قلقي.
وعندما كنت أذكر اسم الشركة التي أعمل لصالحها أمام أحد ممن أعرفهم، كانت النصيحة التي أتلقاها غالباً دعوتي لترك العمل لصالح هذه الشركة كونها غير مناسبة لي او لعائلتي. وبدأت أشعر أكثر بالتعب والإرهاق. صبية بعمري يجب ألّا تتألّم، ولكن الإرهاق غلبني.
بدأت أعدّ الأيام، وأنا أقول هذا الاسبوع أو الأسبوع الذي يليه ستتوقف زياراتي إلى السوق وأعود إلى المكتب. وكنت أحتمل واقول لا تلك الناس لا تعرف قيمة العمل. وانه لأجل العمل يجب ان نتنازل قدر الإمكان وان نتحمل ونواجه الصعوبات.
وأصريت على ذلك العمل، لم أرض بالاستسلام لأي أحد. كنت أدرّب الفتيات وأعمل مع فتاة أخرى حتى أبلغوني بأنني يجب أن أذهب لوحدي إلى السوق. عارض أهلي تلك الفكرة، وأنا عارضتها أيضاً. وبدأت أتهرّب من العمل يوماً تلو الآخر.
بدأت أدرك حجم الخطأ الفادح الذي أوقعت نفسي به، فلم أستمع لأحد ولا حتى والدي، ولا حتى قلبي الذي قبض عندما دخلت هذه الشركة. وبعد أيام أردت أن أقول لهم لم يناسبني العمل، وأنني أريد حقي وبدل أتعابي خلال الشهر الذي عملت به.
ولكنهم قالوا لي أن هذا الشهر تجربة. ولكن بعد ماذا؟ بعد أن كذبوا عليّ ولم أحصل على بدل تعبي وعملي. وكل شيء ذهب وراح سدى. كانت أبشع أيام مرت عليّ. لا أدري لماذا أصبحت الحياة هكذا في ظل الازمة التي نعيش فيها؟ بدل أن نكون أخوة نساند بعضنا البعض. أصبح بعضنا كالوحوش ننهش بعضنا البعض.
يجب على كل من أراد العمل أن يعرف كل شيء عن الجهة التي سيعمل لصالحها. ويجب ألّا يقع ضحية بشاشة وجوه الناس فهم يخبئون خلفها وحوشاً. سوق العمل أصبح كغابة الوحوش.
حلا عاصي (22 عاماَ) من مدينة دمشق طالبة محاسبة تعمل مدرسة اطفال .