سوريانا قفزة سورية نحو سلّة الإندماج في ألمانيا
شهد ملعب “بيت العمالقة” في دسلدورف، شمال غرب ألمانيا مباراة في كرة السلة جمعت فريق “نجوم دسلدورف” (Düsseldorf Allstars)، ونادي سوريانا، هو نادي تأسس مؤخرا في ألمانيا ويضمّ بشكل أساسي لاعبين سوريين بأغلبيتهم ممن لجأوا أخيرا إلى ألمانيا.
اتسمت أحداث المباراة بالندية، حيث حَسم ربعها الأول نجوم دسلدورف لصالحهم، قبل أن يتدارك سوريانا ونجومه الوضع ويقلبون النتيجة وينهون المباراة لصالحهم بنتيجة 87 نقطة إلى 80 نقطة.
وفي تصريح له قال مؤسس نادي سوريانا ومدربه الكابتن محمود العابد أن النادي يهدف إلى التعريف باللاعبين السوريين وكفاءاتهم، وقد اكد خلال حديثه على وجود طاقات شابة ولاعبين مميزين وصلوا مؤخراً إلى ألمانيا وينشطون في عدة أندية، ولكن ليس في الدرجتين الأولى والثانية حيث معظم التركيز المالي والإعلامي. مما يعني أن هؤلاء اللاعبين لن يتمكنوا من اللعب بشكل محترف. وهو ما يسعى سوريانا إلى تغييره، كما يسعى النادي ايضاً إلى فتح الباب لاحتراف اللاعبين السوريين في ألمانيا.
ويعد سوريانا خطوة في اتجاه تسهيل اندماج السوريين الجدد في المجتمع الألماني. لكن هناك عدة عوائق تواجه هذا في مقدمتها توزع لاعبيه على عدة مدن وبلدات ألمانية متباعدة جغرافياً، الأمر الذي يزيد من مشقة التدريب وجمع اللاعبين. وتسعى هيئة اللاجئين في مدينة دسلدورف، وهي هيئة حكومية ألمانية تهتم باللاجئين المتواجدين في المدنية، وتسعى لمساعدتهم وتسهيل عملية اندماجهم بالمجتع، لنقل لاعبي النادي من هذه المدن إلى دسلدورف، وتأمين مسكن لهم الأمر.وأشاد العبد إبالدور الكبير الذي تلعبه الهيئة في مساعدة الفريق.
كما ثمن العبد دور أهالي دسلدورف وسعيهم لمساعدة الفريق، فكان لاستقبال أهالي اللاعبين الألمان للاعبين السوريين القادمين من مختلف المدن والبلدات الألمانية بعد المباراتين الأولى والثانية للفريق وقع جميل، وإشارة هامة إلى دور النادي في الاندماج.
ويحظى نادي سوريانا بدعم كبير من المجتمع الألماني الذي أظهر كرماً كبيراً وسعياً لمساعدة النادي، بالإضافة لذلك يحظى النادي بدعم عدة لاعبين محترفين سوريين في مقدمتهم نجم المنتخب السوري ونادي شانفيل اللبناني ميشيل معدنلي، الذي أبى إلا القدوم إلى ألمانيا ومشاركة لاعبي سوريانا المباراة، وهو ما ثمنه كثيراً مؤسس النادي الكابتن العبد، كما أشار إلى القيمة الرياضية الكبيرة لميشيل، كونه أضاف توازناً وثقة كبيرة للاعبي سوريانا وللنادي بشكل عام، كما شارك أيضا لاعب المنتخب السوري سابقاً طارق علي موسى.
وشهدت المباراة مشاركة اللاعبة السورية داليا الحاج إلى جانب سوريانا. والحاج لاعبة محترفة سبق لها اللعب مع عدة أندية سورية. واتسمت مشاركتها بأهمية كبرى كونها إشارة إلى كون المرأة السورية قادرة على الإبداع بكافة المجالات، وأن دورها لا يقل أهمية عن دور الرجل.
وهذا ما أكدته الحاج في حديثها، كما وأشارت إلى كون مشاركتها “لإعطاء صورة جيدة عن كرة السلة السورية، ولعكس صورة جيدة عن لاعبات السلة السوريات بالرغم من قلة عددهم”.
“للرياضة دور كبير في المساعدة على الاندماج في المجتمع الجديد، وبشكل خاص للشباب” هذا ما قاله المدرب الإيطالي ماورو كانولي وأشار إلى أن الرياضة ساعدته كثيراً لدى قدومه إلى ألمانيا، واعتبر فكرة تأسيس نادي من اللاجئين رائعة، لكنه أبدى عدة تساؤلات حول كيفية استمرار النادي وبشكل خاص كيفية توافقه مع القوانين الألمانية.
وهنا يكمن عائق أخر أمام سوريانا، حيث أن القوانين لا تسمح للأندية بأكثر من لاعبين اجنبيين في الدوري المحترف، أي الدرجتين الأولى والثانية، وكان هذا يسري أيضاُ على فرق الدرجات الدنيا قبل أن يتم تغيير القانون مؤخراً لتسهيل عمل أندية مثل سوريانا.
وعبر الكابتن العبد عن تفاؤله الكبير بإمكانية حدوث تغييرات على قوانين درجات الدوري المحترفة، واعتبر سوريانا ولاعبيه سبيلاً للوصول إلى التغييرات المطلوبة، حيث أحدث النادي منذ تأسيسه ضجة في أوساط الإعلام الألماني. كما يرى العبد مشاركة سوريانا في دوري الدرجة الرابعة الموسم المقبل خطوة في هذا الاتجاه.
ولا تكمن الصعوبات التي يواجها سوريانا بالقوانين الألمانية فحسب، حيث يبرز جلياً عائق التمويل ، وحيث يعتبر الدعم المالي عائقاً كبيراً بشكل خاص قبل انطلاق الموسم القادم، وأكدّ مؤسس سوريانا ومدربه العبد على وجود عدة مؤسسات وأشخاص ألمان على استعداد لتقديم الدعم المطلوب لكن حتى اللحظة لا يوجد شيء على ارض الواقع. وأشار إلى العمل في الأشهر المقبلة هو التركيز على هيكلة النادي وجلب اللاعبين قبل انطلاق الموسم الرياضي المقبل.
واعتبر بلال أطلي أحد لاعبي سوريانا أن تركيز الاهتمام على الدرجتين الأولى والثانية هو احد أكبر الصعوبات التي يواجها لاعب كرة السلة في ألمانيا. كون بقية الدرجات تعتبر للهواة. كما لفت إلى أن حين الجانب المادي يعتبر تحدياً كبيراً بالنسبة للكثير من اللاجئين. أما عن الاختلافات التي لحظها بين اللعب في سوريا وألمانيا، يقول أطلي “كان لدينا في سوريا الكثير من الخدمات، كما لاحظت أن مستوى المدربين السوريين أفضل من الألمان”.
ويتلقى سوريانا دعماً كبيراً من نادي عمالقة دسلدورف أكبر أندية المدينة لكرة السلة، فيسمح لسوريانا باستعمال منشآت النادي ومعداته الرياضية، كما أن سوريانا سيلعب الموسم القادم تحت اسم النادي في الدرجة الرابعة، مما وفر لسوريانا 12 مرحلة هواة، أي 12 عاماً، فالانطلاق من الدرجة الرابعة يعد دعماً كبيراً، قد يكون أكبر من ذاك المادي الذي يقدمه عمالقة دسلدورف.
سوريانا يساهم في إسعاد الكثير من السوريين من خلال اللعب النظيف الذي يقدمه النادي لمشجعيه الذين قطعوا مسافات طويلة لحضور المباراة، ودعموا الفريق حتى آخر لحظات المباراة. كما أثاروا إعجاب الجمهور والصحافة الألمانية كونهم لم يتوقفوا للحظة واحدة عن تشجيع ودعم الفريق. واعتبر العديد من الحاضرين أن سوريانا فسحة من الفرح في ظل الأوضاع المأساوية التي تعيشها سوريا.
والجدير بالذكر أن نادي سوريانا ليس الأول من نوعه حيث هناك عدة أندية تنشط في ألمانيا بعدة رياضات، لكنها لم تصل أيضاً إلى درجات الاحتراف، وتعد عملية إنشاء أندية ومؤسسات من قبل اللاجئين متقدمة جداً لدى البلد الجار مملكة السويد، فقد ظهرت أولى الفرق الرياضية هناك في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وكان نادي أسيريسكا (Assyriska FF) في السويد هو الأول. ولم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن يتحول النادي لفريق محترف حصد عدة بطولات، ويلعب حالياً في الدوري السويدي الدرجة الأولى. كما وصل إلى نهائي كأس السويد، والنادي الاخير جاء كحصيلة جهد وتعب لاجئين آشوريين هاجروا من عدة دول شرق اوسطية في مقدمتها سوريا، وقاموا بتأسيس النادي عام 1974، وهكذا الامر مع نادي سوريانا الذي يسعى للوصول إلى دوري المحترفين في ألمانيا.