مصير الآشوريين في قرى الخابور بين مختطفين ونازحين

شنّ ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية ’’داعش‘‘ فجر يوم الأثنين 23 شباط/فبراير 2015، هجوماً عنيفاً استهدف قرى الخابور الآشورية الواقعة غرب مدينة الحسكة.  وسيطر التنظيم على قرى تل شميرام وتل طلعة وتل طال وتل هرمز وقبر شامية وغيرها من القرى الواقعة على الضفة الجنوبية لنهر الخابور. واحتجز التنظيم أعداداً كبيرة من المدنيين الآشوريين المسالمين، وأسفر الهجوم عن سقوط عدد من الضحايا الآشوريين بين قتل وجريح.ضحايا وخسائر هجوم داعش على قرى الخابور الصورة من إعداد الشبكة الإعلامية الآشورية

أدت المعارك المتواصلة إلى نزوح سكان القرى الآشورية إلى مدينتي الحسكة والقامشلي. وتقدر أعداد النازحين بما يزيد على 1380 عائلة وماتزال موجة النزوح مستمرة. وإجمالا يقدر عدد السريان الآشوريين من سكان قرى الخابور بـ 35 ألفاً.

يقول الياس توما وهو أحد الآشوريين الذين نزحوا من قرية تل سكرى “في الساعة الرابعة فجراً استيقظنا على أصوات القنابل فخرجنا من منازلنا” ويضيف “بدأت الحرب، إطلاق قذائف الهاون على القرية، وفي الوقت ذاته كان هناك هجوم أخر على قرية تل شاميرام، وكانوا يقصفون من كامل الخط الجنوبي للخابور كما علمنا”كانوا عناصر داعش بالعتاد الكامل، مزودين بصواريخ يرمونها على القرية من أربعة محاور”.

وتحدّث النازحون من الحسكة عن إقدام عناصر تابعة لـ”داعش” على تفجير كنيسة القديس الربان بثيون في قرية تل هرمز الآشورية على الشريط الجنوبي لنهر الخابور، وهي مركز أبرشية سوريا للكنيسة الشرقية القديمة. ويقول توما عن تفجير الكنيسة  “في الصباح سمعنا صوت انفجار قوي اهتزت له الأرض من تحتنا، فصرخ أخي أوديشو انظر لقد فجروا الكنيسة”. وبحسرة وألم كبيرين أكمل “نظرت وإذ الكنيسة قد سويت بالأرض” ولكنه أضاف “الكنيسة والبيت إذا ذهبوا يمكن إعادتهم، لكن الإنسان اذا ذهب فإنه لا يعود”. كما أفاد نازحون أن عناصر تنظيم ’’داعش‘‘ أحرقوا ثلاث كنائس ذات أهمية بالغة في قرى تل شميرام وتل جزيرة وقبر شامية.

وأقدمت الدولة اسلامية على خطف ما يزيد على 150  آشورياً بينهم نساءً وأطفالاً. فيما أفادت بعض المواقع عن ارتفاع عدد المفقودين إلى أكثر من 255 شخصاً.  شخصا250. وتم نقل المختطفين إلى مدينة الشدادي، احدى أهم معاقل التنظيم في محافظة الحسكة والتي تبعد 50 كم جنوب مدينة الحسكة. وذكرت الناشطة الآشورية ليندا إيليا في اتصال هاتفي “أن عناصر ’’داعش‘‘ وزعوا المختطفين على البيوت في البلدة” مبدية خشيتها من “أن يتم استخدامهم كدروع بشرية تحول دون قصف مواقع التنظيم”. وأكدّت إيليا نقلاً عن مصدر من بلدة الشدادي  “وجود 81 امرأة بين المختطفين” وأضافت “سيقوم التنظيم بتقديمهم إلى القاضي في غضون أيام ليتم محاكمتهم”.

وتم إطلاق 19 من الآشوريين والآشوريات الذين كانوا معتقلين لدى تنظيم الدولة الإسلامية ’’داعش‘‘ وعادوا إلى مدينة الحسكة، وتم استقبالهم في كاتدرائية السيدة العذراء في الحسكة، وجميعم بصحة جيدة.

وأفيد أن التنظيم أطلق سراحهم باعتبارهم “أهل ذمة” في حين احتفظ بطلفة عمرها 10 اعوام وامها كوديعة لحين دفع الجزية، وجميع المفرج عنهم هم من سكان قرية تل كوران.

وأكدّ أسامة أدوارد مدير الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان ومقرها في السويد في اتصال هاتفي “ارتفاع عدد القرى التي سيطر عليها  تنظيم ’’داعش‘‘ إثر الهجوم على قرية تل جزيرة وحرق عدد من المنازل فيها يوم الثلاثاء 24 شباط/فبرير”. وأشار إلى قيام عناصر التنطيم بأخذ “المزيد من الرهائن المدنيين معظمهم من النساء والأطفال ممن لم يتمكنوا من مغادرة المنطقة من بلدات تل كوران وتل جزيرة وتل هرمز”.

وتابع أدوارد “لايزال مصير هؤلاء الرهائن مجهولا وسط أنباء عن نقل بعضهم ليل الثلاثاء الى مدينة الشدادي، لاستخدامهم كدروع بشرية لمنع قوات التحالف من قصف المنطقة، وسط معلومات غير مؤكدة عن قيام إرهابيي داعش بإطلاق سراح اثنتين من الرهائن من بلدة تل كوران بعد ظهر يوم الأربعاء”.

المرصد الآشوري لحقوق الإنسان أعلن أسماء عدد من الضحايا الآشوريين من بينهم ثلاثة ينتمون لقوات الحماية السريانية ’’السوتورو‘‘، في حين أكدّ المرصد الآشوري على المصير المجهول لعشرة من مقاتلي حرس الخابور وهي مجموعة مسلحة صغيرة كانت تقوم بحماية القرى الآشورية، كما وأشار المرصد الآشوري في بيان على صفحته الالكترونية إلى تحرير 23 مختطفا لدى تنظيم الدولة الإسلامية، وهم من اهالي قرية تل كوران الآشورية.

احد أبناء مدينة القامشلي فضل عدم الكشف عن اسمه وخلال اتصال هاتفي أشار إلى وصول نحو 100 عائلة نازحة من القرى الآشورية إلى المدينة حيث استقبلتهم منظمات وجمعيات أهلية، وتم توزيع أعداد منهم على منازل جهزت مسبقاً. وقال “الإمكانيات ضعيفة والاحتياجات كبيرة جداً، والمنظمات والجمعيات المحلية غير قادرة على تقديم كافة الاحتياجات للنازحين، وبشكل خاص في مدينة الحسكة حيث أعداد النازحين أكبر بكثير”. ودعا الجميع إلى تقديم يد العون والمساعدة وطالب المنظمات الدولية بتحرك سريع وعاجل لإغاثة هؤلاء النازحين.

وتقدر أعداد الآشوريين في سوريا ما بين 600 و 800 ألف نسمة يتركزون بشكل أساسي في محافظة الحسكة وحلب ودمشق وحمص وبأعداد أقل في الساحل السوري، وتعد مدينة القامشلي إحدى أكبر معاقلهم في سوريا، وقد هاجر الكثير منهم إلى دول الجوار وأوروبا بعد اشتعال الحرب في سوريا.

تجدر الإشارة إلى أن سكان قرى الخابور الآشورية بمجملهم ناجون من مجزرة سيميل التي نفذها الجيش العراقي عام 1933 بقيادة الجنرال بكر صدقي نزحوا بعدها إلى سوريا وسكنوا ضفاف الخابور.

ويأتي هذه الهجوم من قبل التنظيم الإسلامي في العام الذي يحيي فيه الآشوريون الذكرى المئوية للإبادة الجماعية الآشورية (السيفو)، والتي قامت بها القوات العثمانية عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولى، وراح ضحيتها ما يزيد عن 750 ألف ضحية وتم تهجير أضعافهم من مناطقهم في جنوب شرق تركيا.