سجينة في قلبه
أمرأة تمشي في حي صلاح الدين
"الفارق أنَّ سجن النظام، ظالم... وسجن قلب محمد، فيه العدالة"
أجبرتنا ظروف الحرب والقصف العنيف على النزوح أنا وعائلتي من قريتنا. استأجرنا منزلاً في قرية اللويبدة في ريف إدلب.
كانت تسكنُ بقربنا صبية متزوجة حديثاً، واسمها نعمة. كانت طيبة جداً، فصارت صديقتي، وأصبحتُ أترددُ إلى منزلها، لشرب القهوة معاً… مع أنّ سني صغير على شرب القهوة، لكنَّ الحرب تجعلنا نكبرُ باكراً!
في إحدى المرَّات، وبينما كنتُ أزورُ نعمة، جاءَ زوجها برفقه أخيه. ألقيا التحية، لكنّي شعرتُ بشيء غريب تجاه الأخ، واسمهُ محمد… كانت المرة الأولى التي أراهُ فيها، لكنّ شعوري هذا، لم أحس بهِ قبلاً! حتى هوَ كانت نظرتهُ لي جميلة! حينها، طلبتُ الإذن للإنصراف، فوالدي لا يقبل أن أجلس مع رجال لا نعرفهم.
في اليوم التالي ذهبتُ لزيارة نعمة كالعادة… وبينما كنا نتحدَّث، سألتُها عن محمد. فوجئتُ أنَّهُ متزوِّج! لكن سرعان ما قالت لي أنهُ في طور الإنفصال عن زوجته… شعرتُ حينها، بالإرتياح لأنهُ سيُطلّق زوجته! لكن سرعان ما انقلبَ إحساسي لشعور بالخجل من نفسي!
ماذا دهاني؟ ربما أحببته! وكما يقولون إنهُ “الحب من أولِّ نظرة”.
أخبرتني نعمة أنَّ محمد، كان قد تزوّج لمدة شهرين، لكنَّهما لم يتفقا… كما أخبرَتني أيضاً، أنَّهُ مريض بالسكري! وذلك لم يغيّر عندي شيئاً…
مرَّت عدَّة أيام، وعلمت أنَّ محمد قد أنهى معاملة انفصاله عن زوجته… نعم ارتحتُ لذلك! وما لم أقلهُ،أنهُ صارَ يتردَّد إلى منزل أخيه لرؤيتي… وصرتُ لا أُغادر حينَ يأتي، مع أنَّي أعلم أنَّ ذلك لا يُرضي أبي!
صرتُ مُتعلُّقة به… وحبي لهُ صارَ يكبُر! وأشعرُ بالإرتياح حين يكون…
إلى أن أتى يوم، قالَ لي محمد أنهُ يريدُ خطبتي! فغمرتْ الفرحة قلبي…
كما حدَّثني عن تفاصيل حياته، وأخبرني عن زواجه السابق، وبأنه مريض بالسكري منذ الصغر… وكذلك أخبرني، أنهُ كانَ يعمل بالبناء في دمشق، وبأنَّ النظام كان قد اعتقلهُ ظلماً، لمجرد أنهُ كان يخرج من غرفته كثيراً، كونها مُلاصقة لحاجز الجيش…
هذه المعاناة التي مرَّ بها محمد، وإصراره على تجاوز الصعاب، جعلا حبهُ يزداد في قلبي… خاصة أنهُ صارَ يعمل ممرِّضاً لمساعدة الناس.
طلبَ مني تحديدَ موعد كي يزورنا برفقة أهله… ويطلبوني للزواج! وجاءَ ذلك اليوم، فأتى برفقة أهله… كنتُ سأطير من الفرح! روى محمد لوالدي كلَّ شيء عنه دونُ خجل… عن زواجه السابق، ومرضه، واعتقاله، وبأنهُ نازح وفقير! لم يكذب ولم يخفِ عن والدي أي شيء.
استدعاني والدي بعد مغادة محمد وعائلته، وقالَ لي بأنه سيرفضهُ “لأنهُ فقير ومريض بالسكري!” مضت أيام كنت أقضيها بالبكاء. وأتوسل لأختي الكبيرة وزوجة أبي بأن يقنعاه بالموافقة، فأنا لن أتزوَّج إلا محمّد!
وفعلاً، وافقَ أبي بعد عدة محاولات، واتصلتُ بمحمد كي يأتي وعائلته وتتم الخطوبة رسمياً… سار كلَّ شيء على ما يُرام… وتزوّجنا.
أنا سعيدة مع محمد، الشاب الشهم الكريم، الذي عانى الكثير وخرجَ من سجن النظام، ليحبسني في سجنِ قلبه… الفارق أنَّ سجن النظام، ظالم… وسجن قلب محمد، فيه العدالة. فأنا ممنونة لمحمد بكل الحب الذي ينتابني.
زهره الغاب (١٦ عاماً) من ريف إدلب. تحمل الشهادة الإعدادية. متزوّجة وتبحث عن عملٍ لمساعدة زوجها على تحمُّل أعباء المنزل.