زوج مجاهد وأب مكافح
مشاركة النساء في مظاهرة تطالب فصائل الجيش السوري بالتوحد. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
ذهبنا أنا وزوجي وأطفالنا الثلاثة قبل سنوات طويلة، إلى مدينه دير الزور بهدف العمل. اضطررنا أن نبيع منزلنا في إدلب، لنشارك بثمنه في معمل للبلاط. بعد فترة من التعب في هذا العمل، اشترى زوجي معمله الخاص من ثمرة جهده وتعبه. وبعدها اشترينا منزلاً. ووسع عمله ففتح معملاً آخر في إدلب، في أرض ورثها عن والده.
أصبح عندي خمسة صبية وثلاث بنات. عدنا إلى إدلب، حيث زوجت ابنتي، وابنيّ معن وعبد الكريم. تطورت الأحداث وانطلقت الثورة في مارس/آذار 2011. بقي زوجي وابني هاشم الذي كان يدرس اللغه الانكليزية في دير الزور. وعندما اشتدت الأوضاع وتأزّمت عندهم، شارك هاشم في الحراك الثوري هناك. أصبح مطلوباً من قبل الأمن. أضطر زوجي أن يرسله إلى إدلب، بعيداً عن مراقبة أجهزة الأمن.
لم يتوقف هاشم عن مسيرته الثورية. بقي متابعاً في إدلب بهتافه وكتابة الشعارات. حتى ابنائي معن ومحمد أصبحا في تنسيقية الثورة في إدلب. كان والدهم يشجعهم، فتمت ملاحقته من قبل النظام في دير الزور. ترك زوجي معامله وأرزاقه، وعاد إلى إدلب ليشارك مع أبنائه طريقهم الذي سلكوه. وبعد مرور عام على عودة زوجي، اقتحم الجيش مدينة إدلب. اضطررنا أن نترك أرزاقنا أيضاً وننزح خارج المدينة.
ذهبنا إلى بروما في مزارع إدلب. عشنا أيام الرعب والخوف لقربنا من قرية كفريا التي كانت مصدراً للقصف والقنص على بروما. وبدأت الإشاعات عن أقتحام الجيش لبروما. انسحب زوجي والمجاهدين ومعهم أولادي، إلى منطقه جدار في ريف إدلب. وهنا كانت الخدعة. اقتحم الجيش جدار، وتم تفجير سيارة زوجي. الحمدلله مضت بسلام، ولم يصب أحد منهم.
عاد المجاهدون إلى بروما وتمركزوا فيها. وبعدها وصلنا خبر اقتحام الجيش لمنزلنا في إدلب. تم تخريبه وسرقة ممتلكاته، وحتى إنهم كادوا أن يحرقوه. ومعمل زوجي لم يسلم منهم. سرقوا معداته وحجره. ومعملنا في دير الزور أصبح ثكنة عسكرية. وعلمنا في ما بعد انه تعرض للقصف.
عانى المجاهدون من قلّة الدعم. حتى أهلهم وذويهم لم يتمكنوا ولو من زيارتهم. قرر زوجي أن يشتري الطعام كل يوم من ماله الخاص. كنت أقوم بمهام الطهي. إبني عبدالكريم كان يعمل في لبنان. بدأ يرسل لوالده النقود ليدعمنا بالمصروف. بعد مرور عام ونصف تقريباً استشهد معن في معركة القرميد. قرر عبد الكريم أن يترك عمله، ويأتي للجهاد مكان أخيه. طلب مني لمرات عدة أن اسمح له بالجهاد مع والده وإخوته، وأنا كنت أرفض. كنت أقول له: “أنت في عملك ودعمك للمجاهدين تجاهد كمثل اخوتك. فمن جهز غازياً فقد غزا. وعندما استشهد معن لم يصبر أكثر. رجع إلى سوريا والتحق بالجهاد. وبعدها استشهد ابني هاشم في 25 تشرين الأول/أوكتوبر 2013.
لم يبق لزوجي من معيل سوى الله. فلقد خسر ولديه وعمله وحتى المال الذي كان لديه نفذ. وهو لم يعتد على قلة المال بين يديه. ومن صدماته أصابه مرض الصرع. وأصبح بين الفترة والأخرى وكلما انزعج من شيء يفقد الوعي.
اشترى سيارة بما بقي لديه من مال. بدأ يعمل بنقل الخبز، من فرن في منطقة معرة مصرين إلى منطقه دركوش. كانت الطرقات كلها وعرة، والجبال عالية. والمسافة بعيدة كانت تستغرقه ساعة ونصف الساعة حتى يقطعها. كنت أخاف عليه من أن يصيبه الدوار بسبب مرضه.
حين توافر الخبز في دركوش، لم يبق لعمل زوجي أي نفع. راحح يشتري الحطب ويقطعه بيديه ويبيعه. وعندما انتهى الشتاء، اضطر أن يضمن أراضي تين ثم زيتون. وكنت أساعده بعمله بالأرض والزيتون. رغم عمله كان يخرج إلى المعارك، رغم سنه كان يبلغ من العمر 61 عاماً. وفي كل مرة كان يتركنا لوحدنا أياماً عدة.
وفي أحد أيام كانون الثاني/يناير 2014، أصيب زوجي في إحدى المعارك. سقط فيها الكثير من الضحايا. كانت إصابته خطيرة. تم نقله إلى مشفى باب الهوى. وكان القصف يتزايد على بلدتنا. فقررت أن أخذ أولادي وأذهب إلى بيت أختي في دركوش وكان زوجي لايزال في المشفى …
ذهبت لزيارته وكان وضعه سيئاً جداً بسبب جرحه البالغ. أصيب في رقبته وتقطعت أوتار يده اليمنى. وأصيب في ساقه وفخذه. وبعدها أتممنا علاجه في مشفى دركوش ثم رجعنا إلى مزرعتنا.
استشهد ابني عبد الكريم …. لم يعد زوجي بعدها يقوى على أي عمل فهو لا يستطيع أن يحمل شيئاً، أياً كان حجمه… كان كلما نظر إلى أحفاده، يتذكر أولاده رحمهم الله ويزداد مرضه وهمه. الأولاد يعيشون معنا فزوجي لايستطيع فراقهم. هم روحه في الدنيا من بعد أولاده … فحماك الله لنا يازوجي فلم يبق لنا من معيل بعد الله سواك….
أم معن من مدينة إدلب، من أوائل المشاركات في الحراك السوري. فقدت عددا من أبنائها في الحرب، ونزحت خوفاً من الإعتقال، بعدما سيطر النظام على مدينتها، وعاشت في المزارع في ريف إدلب. عملت هناك مسعفة في نقطة طبية تابعة للمعارضة، وفي تحضير الطعام للمقاتلين… إلى أن سيطرت المعارضة على مدينتها، فعادت إلى منزلها.