زواج الأتراك من السوريات لا يعني بالضرورة الحياة السعيدة
امرأة تعمل في قطاف الطماطم في أحد المشاريع الزراعية بالقرب من مدينة حموريه في الغوطة الشرقية، الصور ملتقطة بتاريخ 01-08-2017.
هربت ليلى (32 عاماً) من جحيم الحرب في مدينتها حمص متوجهة إلى تركيا، بحثاً عن مكان آمن وحياة كريمة تعيشها، لتجد نفسها في جحيم أقسى مما كانت تعيش فيه.
تقول ليلى: “لجأت إلى تركيا مع طفلتيّ نهاية عام 2013، بعد استشهاد زوجي بالقصف الذي طال منزلي في حي الخالدية بحمص وعشت معتمدة على المعونات الشهرية التي تقدمها المنظمات الإغاثية. ومبلغ مالي تكفل فيه أحد أخوتي لدفع إيجار المنزل في مرسين”.
تضيف ليلى: “لم أكن أفكر بالزواج مطلقاً، لكن مع انتشار أخبار ظاهرة التحرش والخطف والاغتصاب، تغيرت قناعتي بالزواج تتغير شيئاً فشيئاً، فأخبرت صديقاتي الأتراك والسوريات اللاتي تعرفت عليهن في الحي الذي أعيش فيه أنني موافقة على الزواج”.
وتتابع ليلى: “بعد عدة عروض تم اللقاء بيني وبين رجل تركي وطلبني للزواج. ولكنه وضع شروطاً غريبة، كان أهمها أن يكون الزواج بموجب عقد عرفي “عقد شيخ” وبشكل سري دون تثبيته في الدوائر الحكومية التركية، مبرراً أن القانون يمنع تعدد الزوجات”.
وافقت ليلى على كل الشروط للتخلص من شعور الوحدة والخوف من الاستغلال. وبعد فترة زواج لم تزد عن 6 أشهر، كانت تراه في كل يوم منها بين 3 و4 ساعات فقط. حياة كثرت فيها الإهانات. وعند معرفة زوجته التركية بالأمر وقع الطلاق. وعادت ليلى أرملة ومطلقة هذه المرة.
كانت لـ أمل (17 عاماً) اللاجئة من حلب تجربة شبيهة بتجربة ليلى، لكن القرار لم يكن قرارها، فقد اعتبرتها عائلتها وسيلة يمكن من خلالها تحسين ظروفها المعيشية.
تقول أمل: “بعد إقامتنا في تركيا لمدة عام تقريباً تقدم رجل تركي يكبرني في السن بأكثر من 20 عاماً للزواج بي، كزوجة ثانية وبعقد شيخ لا يمكن تثبيته أو الاعتراف به. رفضت الأمر عدة مرات في ظل محاولات متكررة من جميع أفراد أسرتي لإقناعي بالقبول به، متأملين بتحسين أحوالهم المادية بعد هذا الزواج، كون العريس ثري جداً، ويمكن أن يساهم بافتتاح مشروع يعمل به أخوتي ويؤمنوا احتياجاتهم من خلاله”.
بقيت أمل على رفضها لهذا الزواج حتى أبلغها والدها بتجهيز نفسها للقاء العريس. وقال لها منهيا النقاش: “لقد أعطيت كلمتي”.
وتزوجت أمل بعد فترة خطبة دامت شهراً واحداً، كان الرجل يحضر أخته التي تجيد اللغة العربية معه لتتولى تسيهل عملية التواصل.
وحملت أمل بطفل بعد الزواج مباشرة وأنجبت في نهاية عام 2016، وبعد بلوغ الطفل الـ6 أشهر من العمر انفصلت عن زوجها بطلب منه. وبدأت أمل بالسعي لتسجيل طفلها في سجلات النفوس لكن دون جدوى. فلا يمكن نسب طفل ولد بعد زواج عرفي غير مثبت في الدوائر الحكومية لوالده التركي إلا بموافقة الوالد.
أرسل زوج أمل السابق المحامي الخاص به لتسهيل إجراءات تسجيل الطفل. ولكنه قدم دعوى يطالب فيها بنسب الطفل لزوجته التركية ومنحها حضانته. وحكم لها القاضي الشرعي بذلك. ، أمل تعيش اليوم مطلقة وبعيدة عن طفلها في منزل أهلها الذين لم ينالوا شيئاً مما خططوا له وحلموا به.
وعن القوانين التركية المتعلقة بالزواج العرفي يقول المحامي عبد الرحمن خالد “لحكايات سوريا”: “يحكم قانون العقوبات التركي في حال اكتشفت الحكومة أن عقد الزواج عرفي وغير مسجل في البلدية بحبس كاتب العقد والزوجين لمدة تتراوح بين 3 و 6 أشهر، ولا تقبل المحاكم التركية أي دعوى لتثبيت الزواج لاحقاً حتى ولو أصبح هناك حمل وأولاد”.
ويضيف خالد: “بالتالي لا يمكن للزوجة السورية الحصول على أي حق من حقوقها نتيجة هذا الزواج، وفي حال وجود أطفال فلا يمكن تثبيت نسبهم من والدهم التركي إلا بإقرار منه في دائرة النفوس. ولا يحق للمرأة السورية الوصاية عليهم إلا بموافقة الأب، كما يحق للزوجة التركية الأولى أن تنسب الأولاد لها وتحصل على حضانتهم إن أرادت”.
رغم القوانين الشديدة المفروضة من الحكومة التركية حول هكذا زواج، وفي ظل انتشار حالات الانفصال والطلاق وضياع العديد من النساء السوريات إلا أن بعضهن يعشن حياة مستقرة مريحة.
فاطمة (28 عاماً) اللاجئة من محافظة إدلب تقول: “تزوجت من رجل تركي أعيش معه منذ 3 سنوات في حياة مستقرة مليئة بالتفاهم على الرغم من كبر سنه. وهو يقدم لي الاحترام والتقدير والمعاملة الحسنة، ولا يخلو الأمر من بعض العقبات التي تخلق فراغاً في الحياة كالفترات القصيرة التي أراه فيها، والخوف الكبير من إعلان الزواج والامتناع عن الإنجاب، إضافة للخوف من الانفصال بأي لحظة في حال اكتشاف زوجته التركية للأمر”.
وتضيف فاطمة: “المهم أنه ضمن لي حقوقي منذ لحظة عقد القران بتسجيل المنزل الذي أعيش فيه بإسمي، ووضع مبلغاً من المال في أحد المصارف كمهر لي، استطيع من خلاله تأمين مصاريف منزلي في حال انفصالنا تحت ضغط أي سبب من الأسباب”.
وفي مسألة شرعية الزواج العرفي يقول الشيخ عقبة أبو النور لـ”حكايات سوريا”: “أن هذه الأنواع من الزواج تسمى زواج “المسيار” كون الرجل في هذا الزواج يسير إلى زوجته في أوقات متفرقة ولا يستقر عندها. وهو زواج مستوفي الشروط والأركان ولكن تتنازل الزوجة فيه عن بعض حقوقها الشرعية باختيارها ورضاها مثل النفقة والمبيت عندها”.
ويضيف الشيخ أبو النور: “هذا النوع من الزواج ادت لظهوره عدة أسباب أهمها كثرة العوانس والمطلقات والأرامل، ورفض الكثير من النساء لفكرة تعدد الزوجات ومنع بعض الحكومات لهذا، إضافة لتهرب البعض من مسؤوليات الزواج وتكاليفه”.
ويختم الشيخ أبو النور بالقول: “بالرغم من أنها ليست الصورة المثلى والمطلوبة من الزواج، لكنه زواج صحيح إذا توفرت له شروطه وأركانه ووجود الولي والشهود”.
لرهام (23 عاماً) قصة أخرى. تقول رهام: “بعد لجوئي إلى تركيا قمت بالتسجيل في إحدى الجامعات لأكمل دراستي التي توقفت عنها في دمشق. في الجامعة تعرفت على زوجي الحالي، ونعيش اليوم حياة سعيدة ورزقنا الله بطفلة قبل عامين، وسأحصل على الجنسية التركية بعد بضعة أشهر حيث تمنح الحكومة التركية الجنسية للمرأة الأجنبية بعد 3 سنوات من زواجها برجل تركي”.
ولكن رهام تعاني من حاجز اللغة في بعض الأحيان، كونها لا اتقن اللغة التركية تماماً وهو لا يتقن اللغة العربية.