السوريون يصارعون ضراوة الحصار

شاب يعمل في محل لبيع الخضار تصوير عبد الله منصور

شاب يعمل في محل لبيع الخضار تصوير عبد الله منصور

"أعلنت مجموعة من الشبان الإضراب عن الطعام ليكون جوعهم تطوعي بهدف توفير بعض الطعام للنساء والأطفال وكبار السن الجائعين قسراً"."

بمواجهةالحصار الذي فرضته قوات النظام على مدنهم وقراهم في مختلف المحافظات، ابتكر السوريون وسائل بديلة لتعويض ما فقدته أسواقهم من المواد الغذائية والطبية.
أم سعيد (38 عاماً) إحدى أهالي أحياء حمص القديمة تقول: “بعد أيام قليلة على إغلاق ومنع إدخال المواد الغذائية نفذت جميع المواد الأساسية من الأسواق، وأصبح الاعتماد على المؤن الموجودة في منازلنا، والتي لم تكن لتكفي أكثر من عشرة أيام”.
تضيف أم سعيد: “أول ما تم صنعه كبديل هو “مناقيش الحصار عيار عشرة” المكونة من بذار متنوعة مطحونة مع مادة تشبه الزعتر الأخضر. طعمها كان مقبولاً نوعاً ما. نقوم بعجنها ثم نصنع منها رقائق تشبه رقائق العجين المعروف”.
تتابع أم سعيد: ” كنا نخبزها على صاج نكون قد أوقدناه على الحطب، ونضع عليها بعض الفليفلة الحمراء لتصبح جاهزة للتناول. وحين نفذت المواد التي نعتمد عليها في صنع هذه المناقيش، التفتنا إلى أوراق الأشجار كالتين والتوت، نقطعها بعد غسلها ونطبخها بطريقة تشبه طريقة طهي الملوخية بعد إضافة بعض الملح والفلفل والبهارات عليها، ونتناولها بالخبز المصنوع من الفستق”.
اختلفت أطعمة السوريين المحاصرين من مدينة إلى أخرى بحسب إحكام الحصار المفروض وطول مدته من جهة، وطبيعة المنطقة الجغرافية والمناخية من جهة أخرى.
يقول جمال (32 عاماً) وهو أحد أبناء مخيم اليرموك جنوب دمشق: “في بداية الحصار وبعد اختفاء المواد الأساسية من الأسواق قمنا بالتعويض عن مادة الخبز بطحن الحبوب كالعدس والحمص والبرغل لصناعة الخبر بالطرق البدائية القديمة، إلى أن نفذت هذه المواد بشكل كلي”.
يضيف جمال: “لم تساعدنا طبيعة المنطقة المحاصرة من الاستفادة من أوراق الأشجار فالتفتنا إلى طحن تبن الأبقار وعجنه وخبزه في الأفران، وتناوله مع التمر المخصص للعجول، إضافة لاستخدام القطر الذي كنا نطعمه للحصان قبل أي سباق ليكسبه سعرات حرارية تمكنه من الجري لفترة طويلة دون تعب، رغم إصابة من يتناولها بالإسهال مباشرة، لكن لم يكن امامنا من خيار آخر”.
يضيف جمال: “مع التضخم السكاني الكبير الذي حل في مخيم اليرموك جراء نزوح عدد كبير من عائلات المناطق المجاورة، أعلنت مجموعة من الشبان الإضراب عن الطعام ليكون جوعهم تطوعي بهدف توفير بعض الطعام للنساء والأطفال وكبار السن الجائعين قسراً”.
وتوقف جمال عند ” الفتوى الشرعية التي أصدرها الشيخ صالح اليلداني إمام جامع فلسطين في مخيم اليرموك، ونصت على جواز أكل لحم القطط والكلاب والحمير، بمباركة العديد من مشايخ جنوب دمشق. وسجلت ذبح 3 كلاب، وكان المكتب الإعلامي لجنوب دمشق قد بث مقطع مرئي يظهر فيه شخص يلتقط قطة ويطبخها ويطعمها لعائلته”.
من جهته أحد أبناء بلدة مضايا ويدعى أحمد عبد الوهاب (27 عاماً) يقول لحكايات سوريا: “اعتمدنا على ذبح المواشي بعد إطباق الحصار على البلدة، وبعد نفاذها توجهنا نحو أوراق الأشجار والحشائش التي كنا نجمعها من المزارع المجاورة قبل نشر الألغام على الطرق المؤدية إليها، لينتهي بنا الأمر بتناول شوربة البهارات المكونة من الملح والفلفل والماء المغلي فقط”.
ويضيف عبد الوهاب: “مع اتفاق هدنة المدن الأربعة، دخلت قافلة مساعدات أممية توزعت على العائلات المحاصرة، فقامت بعض العائلات ممن كان لديها ما يكفيها ببيع ما حصلت عليه من السلل الغذائية بأسعار خيالية حيث وصل سعر الكيلوغرام من الرز والسكر والبرغل إلى 60 ألف ليرة سورية (ما يقارب 150 دولار أمريكي) وحليب الأطفال إلى أكثر من 200 دولار أمريكي”.
وبحسرة يتابع عبد الوهاب: “كنا نلجأ إلى بيع أغلى ما نملك مقابل سلع بسيطة، فقمت وقتها ببيع سيارتي التي يزيد ثمنها عن 3 ملايين ليرة سورية في المناطق المجاورة التي تخضع لسيطرة النظام السوري مقابل 10 كيلوغرامات من الرز، على غرار ما فعله أحد أبناء البلدة حين عرض سيارته للبيع مقابل 5 كيلوغرام من حليب الأطفال”.
لم تقتصر معاناة الأهالي في المناطق المحاصرة على الجانب الغذائي فقط، فمنهم من وجد معاناته في الجانب الطبي كما روى أحمد حليوا (25 عاماً) وهو أحد أبناء مدينة داريا لموقعنا: “بعيداً عن الجوع الشديد وافتقار الأسواق للمواد الغذائية في المدينة، إلا أن المأساة الأكبر كانت من الناحية الطبية، حيث نفذت جميع المواد الطبية والأدوية بعد فترة قصيرة من إطباق الحصار”.
ويوضح حليوا: “لم يكن أمامنا سوى استبدال المواد الطبية بمواد مشابهة متوفرة لدينا، فعوضنا عن الشاش الطبي استعملنا الملابس الداخلية القطنية، واللاصق الطبي استبدلناه باللاصق المهني الذي يستخدمه النجار والدهان في عمله، أما السيروم فكنا نعتمد بالتعويض عنه على الماء المغلي والمقطر بعد إضافة بعض الملح عليه، مع أنه كان يغذي بعض الشيء لكنه كان يتسبب بنوبات رجفة للمريض لا يمكن التخلص منها إلا باستخدام حقن المرخي العضلي”
ويعتم الحليوا بالقول: “عجزنا عن التعويض عن بعض الأدوية مثل أدوية الالتهاب، وهذا ما دفع المريض المحتاج لها إلى البحث عن إحداها تحت ركام المنازل المدمرة حتى ولو كانت منتهية الصلاحية، إضافة لوجود أمراض لم نتمكن من إيجاد حل لها أبداً، مقل داء الكلب ففي فترة من الفترات انتشرت الكلاب المسعورة في المدينة”.
لا يختلف حال الغوطة الشرقية في دمشق عن حال سابقاتها من المدن والقرى المحاصرة، فاختفاء السلع الأساسية من الأسواق وارتفاع أسعارها نهش أجساد الأهالي، إضافة للشتاءات الطويلة التي مرت عليهم.
يقول أبو فهد (35 عاما): “لن أقول أن المواد الغذائية اختفت من الأسواق بشكل كامل، لكننا نحتاج لشرائها بحساب تقريبي إلى 200 ألف ليرة سورية شهرياً (أي ما يقارب 400 دولار أمريكي) لعائلة مكونة من 4 أشخاص، فقد وصل سعر ربطة الخبز لـ 1200 ليرة سورية، والرز 2100 والسكر 4500 وزيت القلي 7000 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، مع انعدام وجود زيت الزيتون والسمنة والبيض بشكل كلي”.
ويضيف أبو فهد: “إن استعطت الحصول على فرصة عمل فلا يتجاوز الراتب الشهر الـ100 دولار أمريكي شهرياً، وهذا ما دفع الأهالي للتسول أو البحث عن بقايا الطعام في حاويات القمامة، وإحراق أثاث منازلهم من غرف النوم والجلوس لتدفئة أطفالهم في أيام الشتاء الباردة حتى أمست منازلنا دون أبواب ونوافذ”.