“رعاية الطفل” مشروع لمحو بعض آثار الحرب في كفرنبل
مصطفى الجلل
كانوا يرسمون الطائرات والدبابات وغيرها من الأسلحة، تبدلت الرسومات وتحول الأطفال لرسم الأزهار والمناظر الطبيعية وشخصيات الرسوم المتحركة والحيوانات الأليفة
(كفرنبل-سوريا) لبضع ساعات في اليوم، ينسى الكثير من أطفال كفرنبل أصوات الطائرات الحربية، وينسون الحرب التي تحصد حاضرهم ومستقبلهم، وذلك في قبو صغير غير مجهز بعازل للصوت حتى، ولكنه يشكل المساحة الخاصة بمشروع “رعاية الطفل” في هذه المدينة الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، والتي يبلغ تعداد سكانها ثلاثين ألف نسمة تقريباً، والخاضعة لسيطرة الجيش الحر.
مشروع “رعاية الطفل” (CHILD CARE) هو مبادرة أطلقهابعض ناشطي المجتمع المدني في كفرنبل، من أجل تأمين دعم نفسي وتعليمي لأطفال هذه المدينة، في ظل الحرب الدائرة. يتبع المشروع
لمنظمة “اتحاد المكاتب الثورية”، ويعمل فيه نحو 20 شابا وشابة.
معاون مدير المشروع حسن الأحمد تحدث لموقع “دماسكوس بيورو” عن الآثار النفسية التي تخلفها الحروب من رعب وقلق وخوف. ويقول الأحمد:”انطلق مشروع رعاية الطفل في كفرنبل منذ خمسة أشهر. تجربة جديدة يحاول القائمون عليها العمل على محو الآثار النفسية الموجودة عند أطفال المدينة, حيث بدأت هذه التجربة قبل عام ونيف بمبادرة متواضعة كانت تسمى “باص الكرامة” بجهود وأدوات بسيطة”. وشرح الأحمد كيف كان فريق العمل يتنقل بين مدارس منطقة كفرنبل حيث يتواجد الأطفال المهجرين مع أهلهم, يعرضون أفلام الرسوم المتحركة وأغاني الأطفال بقالب ترفيهي تعليمي مستخدمين الحاسوب المحمول و”البروجيكتور” وأجهزة صوت, وقد لاقى هذا العمل تقبلاً كبيراً بين الأطفال والأهالي, وباتوا ينتظرون فريق باص الكرامة بفارغ الصبر.
حصل “باص الكرامة” على مبلغ بسيط من “منظمة أمهات سوريات”, وتم إرسال فريق العمل إلى تركيا لتلقي دورتين بالدعم النفسي بالتعاون منظمة “وور شايلد” (war child) الهولندية فرع لبنان، بحسب الأحمد الذي لفت إلى أن فريقه حصل من هذا الفرع على منهاج من ستة كتب توزع على عدة جلسات. والدورات هذه بحسب أحد المتدربين تتم عن طريق محاضرات نظرية حول العناية بالطفل لإضافة إلى حقوقه، إضافة إلى عروض تتضمن بعض الحالات وأساليب الدعم النفسي إضافة لعدد من الألعاب الذهنية و الحركية والإبداعية والتخيلية و بعض ألعاب التواصل.
هذه الأنشطة يتمنى محمد (12 سنة) استمرارها حتى بعد انتهاء الحرب, معربا عن امتنانه للجهود التي يبذلها القيمون على المشرو ع في تعليمهم مهارات جديدة وأنشطة وألعاب يروحون بها عن أنفسهم.
وقال مدير المشروع فراس العمر: “نستقبل نحو 700 طفل من الجنسين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاماً، ويتوزعون على مركزين يخضعون فيهما الى جلسات الدعم النفسي، ويمارسون نشاطات متعددة كالرسم والخياطة والنسيج وإعادة تدوير القمامة وقراءة القصص. إضافة إلى الأنشطة الحركية والترفيهية كالمسابقات واﻷغاني والعروض المرئية. ولفت العمر إلى المعارض التي تنظمها المراكز المختلفة لإبداعات الأطفال ومسرحيات من تأليفهم إضافة للأغاني المحلية الإنتاج…”.
وأكد العمر أن تحسن حالة الأطفال ملموسة في عدة نواح, حيث كانوا في البداية يرسمون الطائرات والدبابات وغيرها من الأسلحة، وبعد مضي أكثر من شهر تبدلت الرسومات وتحول الأطفال لرسم الأزهار والمناظر الطبيعية والشخصيات المشهورة للرسوم المتحركة والحيوانات الأليفة.
وكشف العمر أن الدعم المادي للمشروع بدأ يتضاءل في أشد أوقات الحاجة, في ظل خطط للتوسع نحو بعض القرى المجاورة لمدينة كفرنبل عبر افتتاح عدد من المراكز وتدريب كوادر مؤهلة للعمل في تلك المراكز.
وافتتاح مراكز جديدة هو مطلب أم رامي (أم لطفلتين) على أمل أن تغطي أحياء المدينة والقرى المجاورة, لأنها تمثل واحة للأطفال يتنفسون ويتحركون ويعبرون فيها عن مكنوناتهم بكل حرية وأمان كون المراكز مفتوحة في أحياء تعتبر من الأحياء الآمنة نوعاً ما في المدينة .
يركز مشروع شايلد كير على علاج السلوك العدائي عند الأطفال بالدراما عبر تنفيذ مشاهد مسرحية من قبل الأطفال، تصور الحالة العدائية وظروفها ونتائجها السلبية وبالتالي طريقة علاجها وكيفية الابتعاد عن هذه السلوكيات. كما عن طريق الأغاني المصورة المأخوذة من عدد من قنوات الأطفال، خاصة قناة طيور الجنة، حيث يتم شرح هذه الأغاني وإسقاطها على الواقع الذي يعيش فيه الأطفال.
تتمنى وئام (9 سنوات) أن تبقى في أحد مركزي المشروع طوال الوقت، لأنها تحس برعب شديد عند سماع أصوات الطائرات والقذائف، بينما تحس بالأمان طوال فترة وجودها في المركز, إضافة لما تقوم به من أنشطة مفيدة ومسلية مع صديقاتها وأصدقائها من غناء وألعاب.
إن تأثر الأطفال بالنزاعات المسلحة قضية ذات أهمية بالغة بحسب أغلب الدراسات الخاصة بحقوق الإنسان والطفل تحديداً، وهي قضية تصدم العالم وتروعه، وتتخذ معاناة هؤلاء الأطفال وجوهاً عديدة ، فهناك أعداد مخيفة من الأطفال الذين يقتلون ويشوهون وكثير منهم يصبحون يتامى، ويتأثرون أشد التأثر ويحرمون من التعليم والرعاية الصحية وغيرها من نواحي الحياة .
أم حميد (والدة لثلاثة أطفال مشاركين) تقول: “كان أطفالي يعانون من ضغط نفسي كبير نتيجة انقطاعهم عن اللعب مع أصدقائهم وعدم خروجهم خارج المنزل الذي تحول إلى سجن بالنسبة لهم بسبب الأحداث, ومنذ افتتاح مشروع رعاية الطفل اصطحبت أطفالي إلى هناك, وبعد شهرين تقريباً لاحظت التجدد في نشاطهم والجرأة والانفتاح على الناس، عدا عن اكتشاف مواهبهم وتنميتها”.
يعتقد أبو محمود وهو والد لطفلين: “إن الأطفال في المنزل لا يشعرون بالأمان ولا يوجد ما يشغلهم, وانقطاع التيار الكهربائي يمنعهم من متابعة برامج الأطفال في التلفاز, وجاءت هذه المراكز كهدية ثمينة للأهل وللأطفال, وجدوا فيها ما كان ينقصهم من حرية حركة وتعلموا فيها الكثير ونسوا حالة الحرب التي يعيشونها”.