رسالة الأكراد إلى النظام السوري:مطالب الشعب مطالبنا… والجنسية جاءت متأخرة ومنقوصة
كانت رسالة قوية وسريعة وواضحة جداً، أرسلتها الآلاف من الجماهير الكردية في سورية، إلى القيادة السورية، تظهر أن أبناء الشعب الكردي دعاة إصلاح وحرية وليسوا طلاباً للجنسية، وذلك بعد ساعات من إصدار المرسوم التشريعي الرقم /49/ لعام 2011، والقاضي بمنح الجنسية إلى أجانب محافظة الحسكة، وهي تلك الشريحة من الشعب الكردي في سورية التي جُرّدت من جنسيتها الوطنية منذ العام 1962 إلى اللحظة. وكان ذلك التجريد بموجب إحصاء استثنائي جرى في محافظة الجزيرة ذلك الوقت، وتم من بعده سحب الجنسية السورية ممن يقارب عددهم اليوم نصف مليون كردي، وذلك استمراراً في مسلسل السياسيات الشوفينية والتمييزية ضد الكرد في البلاد. فمن خلال مسيراتها الشعبية، المتضامنة مع درعا وبانياس وسواها من المدن السورية حيث قمعت الاحتجاجات بدموية وعنف وقوة مفرطة من قبل قوات الأمن والجيش والميليشيا المدنية التابعة لعناصر موالية للنظام، قالت الجماهير الكردية كلمتها. رفع الأكراد شعارات تؤيد الثورة السورية ضد الظلم والقمع وقتل المدنيين العزل، وهتفوا بأنهم دعاة حرية وليسوا دعاة جنسية.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد أصدر المرسوم التشريعي /49/ لعام 2011 والذي يأتي نصه الحرفي كالآتي: “المادة 1: يمنح المسجلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية، والمادة 2: يصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم”. ورغم أنها خطوة جيدة للتخفيف من معاناة الشعب الكردي في سورية، إلا أنها غير كافية وجاءت متأخرة جداً، وكتنازل أمام شلال الاحتجاجات التي تطال كل مدينة في سورية. وبدا المرسوم واضحاً بأنه لا يعيد الجنسية إلى “المكتومين”، أي الفئة الثانية التي أصابتها تداعيات مرسوم تجريد الأكراد من الجنسية، إذ لم يشر المرسوم الجديد إلى إعادة الجنسية إلى أولئك الذين يناهز عددهم مئة ألف شخص. كما أن وزارة الداخلية السورية لم تعلن حتى الآن عن القرارات التنفيذية اللازمة لهذا المرسوم والذي يبث الخيفة في النفس بأن شروطاً قد تكون مستحيلة لاستعادة الجنسية.
رفضت الجماهير والحركة السياسية الكردية هذه المكرمة من الرئيس. فهم لم يكونوا ينتظرون هذه “المنحة” الرئاسية وحدها، لشعب يناهز عدده ثلاثة ملايين كردي يتكلمون الكردية، ناهيك عن قرابة مليون آخرين نسيوا الكردية وهم سكان بعض المناطق في دمشق وحماه واللاذقية وغيرها من المدن السورية. لم يكن الشعب الكردي ينتظر الجنسية للمجردين منها وحسب، بل طالب بحقوقه القومية المشروعة، وباعتراف دستوري بوجودهم في البلاد كثاني أكبر قومية بعد العربية، والاعتراف بلغتهم وثقافتهم وتراثهم وإلغاء كافة المراسيم والقوانين التمييزية التي صدرت بحقهم. كما يطالب الأكراد بإعادة الأراضي الزراعية الكردية التي نزعت من أصحابها الأصليين ووزعت على العرب بعدما استقدمتهم السلطة من مناطقهم التي غمرت بمياه نهر الفرات في ريف حلب والرقة، والذين يسمون بـ”عرب الغمر” إلى حين بناء سد الفرات.
وعبّر الكثيرون من الساسة الكرد عن رأيهم بأن المنحة الرئاسية للجنسية “العربية السورية” ليست المطلب الوحيد للشعب الكردي، وصرح مجموع الأحزاب الكردية في بيانات متعددة نشرت بُعيد المرسوم /49/ لعام 2011، بأن هذه ليست منّة من الرئيس بقدر ما هي حق وواجب إنساني تأخر كثيراً، لدرجة أن الأكراد الأجانب تأقلموا مع حياة من دون بطقة هوية أو جنسية. وبالرغم من أهميتها، فإن منحها يبدو ناقصاً جداً من دون أي تعويضات عن سنوات من الحرمان وضياع مستقبل عشرات الآلاف من الشبان الكرد، وتهجيرهم وتشرديهم داخل البلاد وخارجها… لم تتحدث القيادة عن أي من ذلك مكتفية بالإصدار المتأخر للمرسوم.
إن شعارات الاحتجاجات الكردية واضحة تماماً، فهم قالوا بصوت قوي: “نحن دعاة حرية ولسنا دعاة جنسية”. وكانت هذه الشعارات قد كتبت على عشرات اليافطات التي رفعت في الاحتجاجات، في مدن القامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين وديريك وكافة مدن الجزيرة السورية التي تشهد احتجاجات مماثلة أيام الجمعة من كل أسبوع. ويبدو واضحاً أن المطلب الكردي جزأ لا يتجزأ من مطالب عموم الشعب السوري في كافة أصقاع البلاد.
وقد صرّح سياسيون ومثقفون أكراد، لوسائل الإعلام، بأن الاحتجاجات في المناطق الكردية هي مسيرات تؤيد الثورة السورية ضد الديكتاتورية والفساد والظلم وسطوة الأجهزة الأمنية، كما تطالب بالحرية لكل السوريين بمن فيهم الشعب الكردي. تطالب أيضاً برفع حالة الطوارئ، المعمول بها في البلاد منذ نصف قرن، وإلغائها، لا استبدالها بقانون “مكافحة الإرهاب” الذي من شأنه أن يكون أسوأ من قانون الطوارئ الحالي. فالشعب السوري انتهكت كرامته طوال نصف قرن، عاش ذليلاً تحت سطوة الطوارئ وقمع الأجهزة الأمنية. حان الوقت كي يعيش بحرية وكرامة ويتنفس هواء الديموقراطية، لا أن يستمر انتهاك حقوقه، ويعتقل لعشرات السنين لمجرد مطالبته للحرية والديموقراطية. كانت تستخدم ذرائع من نوع “نشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة في زمن الحرب”، كما كان يُتهم الناشطون الأكراد “بمحاولة اقتطاع جزء من أراض سورية وإلحاقها بدول الجوار”، ولن ننتظر حتى يتم تبديل تلك التهم بتهم دعم الإرهاب أو أشياء أخرى سيبدع المشِّرع السوري في اختلاقها.
الأكراد في سورية يطالبون، كما كافة السوريين، برحيل حزب البعث عن السلطة، من طريق إلغاء المادة الثامنة من الدستور والتي تنص على أن “حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع”. هذا القائد الذي خلق منظومة فساد وتخريب لكل أجهزة ومفاصل الدولة السورية، ونهب المال العام وبدّد ثروات البلاد. يطالب الشعب بإنهاء سيطرته على كافة النقابات المهنية والهيئات التدريسية والطلابية، وكافة مظاهر الحياة السورية. كما يطالبون بقانون عصري وحديث يحترم الحرية في تشكيل الأحزاب السياسية، وينهي هيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة في سورية، بل يلغي ويحلّ كافة الأجهزة الأمنية، ليتم تشكيل جهاز أمنٍ وطني واحد مهمته فقط بحماية الوطن والشعب من الأخطار الخارجية. وكذلك لا بد من قانون لتشكيل الهيئات ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان.
مطالب القومية الكردية في سورية لا تنفصل أبداً عن مطالب عموم الشعب السوري لتشكيل دستور عصري يتناسب والخصوصية السورية بتعدد قومياتها وطوائفها، وعدم حرمان أي مواطن من بالتمتع بحقوقه الإنسانية. ويطالب الأكراد أيضاً بقانون جديد للانتخابات النيابية والرئاسية وانتخابات المجالس المحلية والبلدية. وقبل كل ذلك يريدون إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وتعويضهم مادياً ومعنوياً، وفتح الباب أمام عودة المهجرين والمنفيين إلى سورية من دون مشاكل أو مساءلات. كما أنه من الضروري الدعوة إلى حوار وطني شامل، تدعى إليه كافة أطياف أبناء الشعب السوري، لمناقشة حاضر ومستقبل البلاد، فتكون سورية وطناً لكل سوري، مهما كان انتماؤه القومي أو الديني أو الطائفي.
مطالب كثيرة ينادي بها الشعب السوري بأطيافه كافة. ولعل أبرز تلك المطالب وأكثرها ترديداً من قبل المتظاهرين هي الحرية والكرامة اللتين فقدناهما، منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في انقلاب 8 آذار 1963، إلى هذه اللحظة. حان الوقت لتنبت الحرية من جديد، في وطن يستحق شعبه أن يعيش في حرية وكرامة وأمان، من دون أن يخشى سطوة الأمن والاعتقال التعسفي والزنازين والأحكام العرفية.