رسالة إلى الشاعر السوري أدونيس
كتب أدونيس عن الثورة السوريّة مراراً، في الرسالة التي سطّرها إلى الرئيس بشار الأسد مثلاً أو في زاويته في صحيفة الحياة كما تحدّث عنها في لقاءاتٍ تلفزيونيةٍ أو صحفيةٍ. وهو في كل ما سبق يتعالى على الدم السوري ويتهم الثورة بكونها “دينية وطائفية”. فيما يلي رد وتوضيح عن الثورة اقتضته الحقيقة والضمير:
المحترم أدونيس
تحية وبعد،
سيدي الكريم: أنت كتبت أنّ الثورة السورية محدودة الإنتشار. هذا ليس صحيحاً. تتوزّع الثورة على كامل الخارطة السورية بدون استثناء، تتوزع على مئات نقاط تظاهرٍ يتمّ تصويرها وتوجد أشرطة فيديو توثّقها جميعاً يوماً بعد يوم.
أما بالنسبة لصعود الإسلاميين، والذي لا تملّ من انتقاده، فلقد وفّر النظام القمعي للتيّار الإسلامي البيئة المناسبة فقراً وتجهيلاً، وقمعاً وتحريماً لكل نشاط سياسي مهما كان. الإسلام المسلّح صناعةٌ استخباراتيةٌ داخليةٌ وخارجيةٌ بدعمٍ كاملٍ من النظام السوري، وهو أكبر عامل من عوامل تثبيت الأنظمة الديكتاتورية العربية، وجزءٌ من صناعة التخلّف والسيطرة على منابع النفط.
الثورة السورية ليست طائفيةً، أنا مقتنعٌ أنّ الشخص الطائفي فقط هو من يجدها طائفية، فالإنسان يرى الأشياء بعين ذاته وبعين هواه وماهيّته. يحاول النظام منذ بداية الثورة جرّ الناس إلى الطّائفية ويمارس عبر شبّيحته القتل بنَفَسٍ طائفيٍ، حتى أنه يسرّب أشرطة فيديو لأنصاره وشبيحته تظهرهم يتفوهون بشتائم ويمارسون أفعال شنيعة، لجر الناس إلى ردود أفعال طائفية. وعلى الرغم من كل ذلك لم يتأثر الشارع السوري وكبس على الجراح ملحاً وهو يقدّم مزيداً من الشهداء، رافضاً أن يردّ ردّاً طائفياً. ولكنّ النظام يعود للرد على الموقف الحضاري للشعب السوري في حمص وحماة ودمشق وسواها بمزيد من القتل والمجازر الشنيعة، يجر شعبه بالقوة إلى حربٍ طائفيةٍ، بينما ترفض ثورة الشعب أن تقابل عمل النظام بالمثل، وترفض الإنجرار إلى الطائفية.
كان عليك أيها السيد أدونيس، لو كنت حريصاً على الشعب السوري والثورة السورية، أن توجّه أصابع الإتهام إلى الطرف الذي يستخدم هذه الورقة من أجل إشعال البلاد كي يبقى في الحكم. كان عليك فقط أن تعود إلى بيان المشايخ العلويّين الثلاثة الأفاضل في حمص لتظهر لك الصورة بكل تفاصيلها؛ قراءة المشايخ لما يجري في البلاد واضحةٌ ودقيقةٌ . كما كان عليك أن تقرأ بيان المثقّفين السوريّين العلويّين الذي وقّع عليه المئات من كافة أطياف الشعب السوري، بيانٌ رائعٌ يصدر عن مثقفين ينتمون لمنطقةٍ أو جهةٍ أو طائفةٍ بحكم الولادة وليس بحكم الإنتماء الطائفي ، بيانٌ وطنيٌ حضاريٌ عادلٌ يرى الأشياء كما هي.
أمّا إذا كانت بعض الأصوات الطائفية هنا وهناك في صفوف المعارضة، فهي أصواتٌ محدودٌة، لا تمثّل الثورة السورية، بل على الأغلب يمكن إيجاد خلفياتٍ فكريّةٍ وجسورٍ سياسيةٍ بينها وبين النظام، وهي أصواتٌ تخدم النظام بالطبع سواء أدركت ذلك أم لم تدرك.
المعركة اليوم بين شعبٍ منتفضٍ لاسترداد كرامته وحريته ولقمة عيشه، وبين نظام يمارس القمع والإرهاب ويتشبّث بموقعه المسروق بالقوّة من السوريين ليست على الأرض فقط، بل تدور أيضاً في ساحات الإعلام والثقافة وفي مجال الوعي.
لقد وقف معظم المثقّفين السوريين مع الثورة، فالمثقف هو ضمير الشعب، يعكس الجوانب الجميلة والإنسانية في الثقافة، أيّ ثقافةٍ كانت، وأنا على يقينٍ من أنّ المثقفين الحقيقيين هم الذين يقفون مع شعوبهم ولا أستطيع تصوّر مثقّفٍ يختار الوقوف مع الطغاة.
أخيراً، إسمح لي ان أستغرب موقف من ينظّر للثورة الفكريّة الأدبية العربية وكان في طليعة الشعراء العرب الذين جدّدوا القصيدة والأدب العربي في مقتبل عمره؛ كيف من الممكن أن لا يكون تجديديّاً أو ثورياً عندما يتعلق الأمر بتخليص المجتمع من كابوسٍ يلازمه منذ أكثر من أربعة عقود؟
تحياتي
فراس سعد (كاتب سوري)