رانيا الأرملة الصغيرة مصففة شعر وأم
أطفال يحضرون دورة صيفية في أحد مدارس مدينة دوما، الصورة بتاريخ 16-08-2017.
كانت رانيا في الـرابعة عشرة من عمرها حين تقدم يونس (30 عاماً) لخطبتها. هي التي تنحدر من أسرة فقيرة هو صاحب السيارة الفاخرة والملابس الأنيقة والذي يتحدث بإسراف عن ثروته وممتلكاته.
كانت فتاة ذكية ومرحة. تنحدر من عائلة فقيرة، كان أقصى حلمها أن تكمل دراستها لتكون محامية في المستقبل. غير أن انعدام الأمن والأمان في ريف إدلب الجنوبي جراء القصف المتواصل، وغلاء تكاليف الدراسة دفع بأهلها لمنعها من متابعة الدراسة والتزام المنزل.
وسرعان ما وافق أهلها على طلبه وتباحثوا معه في تفاصيل المهر والزواج. فرح أهل رانيا بالمهر الكبير الذي قدمه لابنتهم، وحددوا موعد الزفاف دون علم رانيا بذلك. وكأن الزواج لفتاة غيرها.
كان موعد زفاف رانيا يقترب، فيما كانت أحلامها أحلام طفلة لا تدري معنى كلمة زواج. ولا تدرك معنى المسؤولية، لم تدرك ما ينتظرها، كانت تظن أن الأمور ستكون على ما يرام ولكن المجهول كان قاسياً.
تم عقد الزواج واصطحبها معه إلى إدلب المدينة، حيث كان يسكن وبدأت قصتها مع الحياة. أشهر قليلة عاشتها بسعادة مع زوجها الذي سرعان ما تغير. بدأ يعاملها معاملة معاكسة، كيف ولماذا لا تدري. أيام عصيبة تمر على رانيا بالأهانة والذل والصراخ والغضب.
لم يكن يونس ثرياً. وكل ما تحدث عنه كان خداعاً، لم يكن يملك سوى منزل صغير، أما سيارته الفاخرة فكانت لأحد أصدقائه. ومعظم المصاغ الذي أحضره لرانيا كان مزيفاً.
في أحد الأيام عاد يونس في منتصف الليل وكان مخموراً. تعجبت رانيا من حاله وسألته: “هل تشرب الخمر؟ هذا حرام”. لكنه بدلاً من أن يجيبها انهال عليها بالضرب دون وعي. وبدأ يوبخها بأقبح الكلام ورانيا ضعيفة لا تملك سوى الصراخ والبكاء.
تعودت رانيا على خوض معاركها الخاسرة مع زوجها فلم يكن لديها من خيار آخر سوى الصبر والسكوت. فكلمة مطلقة مستحيلة بالنسبة لوالدها التقليدي.بعد فترة أكرمها الله بطفلتها الأولى التي ملأت حياتها بالفرحة والسعادة، وشغلت أكثر أوقاتها. لم يمض وقت طويل على فرح رانيا التي استقرت حياتها نوعا ما بمجيء مولودتها سنا.
في 10 شباط/فبراير 2018، سمعت دوي تفجير ضخم هز مدينة إدلب بأكملها ذهب زوجها ضحيته. صدمها خبر وفاة زوجها وفكرة أنها باتت أرملة وابنتها يتيمة. ورغم كل مصاعب الحياة مع زوجها، ورغم ما عانته معه من ذل وإهانات، إلا أن ألم الفراق لا يحتمل وأيام العشرة الطويلة لا تهون على أحد.
لم يكن وداعه وفراقه سهلاً، بل كان مؤلماً فقد تركها لوحدها تواجه مصاعب الحياة القاسية مع ابنتها، ولأن رانيا عزمت على أنها لم تعد تلك الفتاة القاصر الضعيفة، واجهت الحياة بكل قوة لتربي إبنتها وتكون لها أسرة وحياة.
توجهت رانيا إلى مركز لتعليم المهن للنساء، لتتعلم حرفة تساعدها على إعالة نفسها وطفلتها الصغيرة. بكل قوة وحماس بدأت رانيا حضور الدورات والتدريبات لمهنة مصففة شعر للنساء، هي مهنة جميلة ممتعة. لم يكن الأمر صعباً عليها بل كانت سعيدة بهذا العمل خصوصاً أنه عمل تستطيع ممارسته في منزلها.
وبعد إنهائها لتلك الدورات المتعددة والتي دامت لأكثر من 6 أشهر، استطاعت رانيا تعلم المهنة لتبدأ بعد مدة قصيرة بالعمل في شقتها الصغيرة والتي كانت مصدر رزق لها ولابنتها لتعيشان دون مساعدة أو عطف أحد.
رانيا لم تعد الأرملة الصغيرة فقط بل هي مصففة شعر وأم، وهي تردّد دوماً: “أن الحياة تريدنا أقوياء كي نكون قادرين على العيش فيها. ليست كل أحلامنا واقع والواقع لا يشبه الأحلام أبداً، يكفي أن نكون صابرين وأن نتحلى بالإرادة لنمضي”.