رابطة الصحفيين السوريين: ولادة من رحم الثورة
أمارس الصحافة في سوريا منذ 2001. أكتب في مواقع سورية معارضة ولدي العديد من المقالات في صحف عربية ودولية. لم أجد لنفسي يوماً مكاناً في اتحاد الصحفيين السوريين الرسمي، فهذه النقابة لا تدافع عن أعضائها الذين يتعرضون للاعتقالات أو المضايقات الأمنية، وهي انحازت منذ بداية الثورة إلى خطاب السلطة السورية في التعامل مع الأزمة. لذلك عندما تأسست رابطة الصحفيين السوريين في شباط 2012، كان قراري بالتوقيع على البيان التأسيسي لهذه الرابطة.
يمكن التعريف برابطة الصحفيين السوريين على أنها تجمع ديمقراطي مستقل، ملتزم بمضامين ثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة، ونزوعهم إلى إقامة دولة ديمقراطية تعددية توفر العدالة والمساواة والحريات وحكم القانون لكل مواطنيها دون تمييز. ولدت هذه الرابطة من رحم الثورة كي تكون بديلة لاتحاد نقابة الصحفيين السوريين بعد سقوط النظام، لتضم أكبر عدد ممكن من الصحفيين الداعمين للثورة ولتكون الصوت المدافع عن الإعلامي والمدون السوري الذي يتعرض للإعتقال أو المضايقة الأمنية. وقد انضم إلى الرابطة 140 صحفياً وصحفية في الداخل والخارج.
ترفض رابطة الصحفيين السوريين في الوقت الحالي طلب انضمام أي صحفي غير داعم للثورة السورية أومرتبط بأجهزة إعلام السلطة. فنرفض أي صحفي يعمل في المؤسسات الحكومية أو الجرائد شبه الرسمية مثل “تشرين” أو “الوطن” لأننا لا نستطيع أن نُدخل أعضاءً ما زال يكتبون وفق سياسة النظام. وكل الصحفيين العاملين في الصحافة الرسمية يكتبون وفق سياسة النظام، على الأقل في الوقت الحالي. البعض منهم يكتب عن اقتناع، والبعض الآخر ربما من باب الحيطة والحذر. ولكن من المقرر أن تكون الرابطة بمثابة بيت لكل الصحفيين بعد سقوط النظام. ولا نتعامل مع نقابة الصحفيين السوريين الرسمية لأنها بحسب وجهة نظرنا فاقدة للشرعية المهنية ولا تحترم المواثيق الدولية للعمل الصحفي.
يشرف على رابطة الصحفيين في الوقت الحالي، ولمدة ستة أشهر، هيئة إدارية منتخبة. وتم انتخاب أعضاء الهيئة عبر الإنترنت من خلال بريد الرابطة وانتخبت الهيئة الإدارية الزميلة غالية قباني للرئاسة. وتم تقسيم العمل إلى عدة لجان يشرف عليها عضو من الهيئة الإدارية. هناك مثلاً لجنة توثيق المعلومات من أجل توثيق البيانات التي تصدرها الرابطة إضافة إلى التقارير. ولكن القسم الأكبر من الجهود منصبة الآن على التعريف بالزملاء المعتقلين والدفاع عنهم. فنصدر بيانات ونتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بالصحافة مثل الإتحاد الدولي للصحفيين ونتواصل أيضاً مع الإعلام المرئي والمكتوب. وقد قمنا بذلك مثلاً بعد اعتقال كل من الزملاء مازن درويش وحسين عيسو وبعد اختفاء المواطن الصحفي أبو الطيب السوري. كما أصدرنا تقريراً عن استشهاد 36 صحفياً ومواطناً صحفياً منذ بداية الثورة السورية. واستطاعت الرابطة خلال فترة قصيرة أن توصل صوتها وبياناتها ومواقفها الداعمة للثورة الى العديد من الوسائل الإعلامية باعتبار أن أعضاء في الرابطة يعملون في مؤسسات إعلامية عربية ودولية، منها قنوات فضائية مثل الجزيرة والعربية وفرانس 24 والأورينت، فتُقرأ بيانات الرابطة وتقاريرها في نشرات أخبار هذه المؤسسات. وأصبحنا خلال فترة قصيرة مصدراً مهماً لتوثيق الإنتهاكات التي تحصل بحق الإعلاميين في سوريا.
نتيجة البعد الجغرافي بين الاعضاء، فإن جميع النقاشات واللقاءات تكون عبر الإنترنت. فهناك صفحة خاصة للأعضاء وصفحة أخرى للهيئة الإدارية وصفحة على السكايب للتواصل مع بعضنا البعض، فنتناقش ونأخذ القرارات من خلال هذه الصفحات. وفيما يخص أبرز السلبيات أو المعوقات التي تعترض رابطة الصحفيين السوريين، فهي تكمن في أن الرابطة تعمل بجهود فردية وبإمكانيات مادية ضعيفة. كما أن أعضاء الرابطة وحتى الهيئة الإدارية ليسوا متفرغين بشكل كامل أو جزئي لعمل الرابطة بسبب عدم وجود أي مصدر تمويل.
مشكلة أخرى تواجه الرابطة وهي عدم تمكن العديد من الصحفيين السوريين داخل الأراضي السورية من الإنتساب إليها خوفاً من الإعتقال وملاحقة الأجهزة الأمنية لهم. فقد قام فرع الأمن السياسي مثلاً باستدعاء أحد أصدقائي الصحفيين غير المنخرطين في الرابطة فسئل عن رابطة الصحفيين وعني بالذات وطُلب منه إخبار المحققين مكان إقامتي ورقم هاتفي وقيل له: “نريده فورا!” أنا مطلوب حالياً للفروع الأمنية، لذلك لا أتحرك كثيراً ولا أسافر أبداً وربما يتم اعتقالي في أي وقت بسبب عملي في الرابطة. قد يكون نشاطي في الرابطة مغامرة أو حتى أستطيع القول أنه انتحار بالنسبة لي، لكنني مقتنع بضرورة الدفاع عن حرية التعبير عن الرأي وضرورة أن نعمل بأسمائنا الحقيقية من أجل المصداقية في القول والفعل فلا أستطيع العمل باسم مستعار أو الاختباء خلف اسم وهمي، وهناك أناس يموتون من أجل كلمة الحرية!
بالنسبة لي كان الإنتساب إلى الرابطة التجربة الأولى من حيث الانتخابات والتصويت، إذ لم أمارس حقي الإنتخابي منذ ولادتي لأنني كنت محروماً من كافة الحقوق السياسية والمدنية. قمت بانتخاب الأعضاء الذين أجد فيهم القدرة على قيادة الرابطة بأمانة. كذلك فإن جميع المناقشات التي تتم على صفحة الرابطة تكون بحرية تامة، نمارس فيها حقنا في التعبير عن الرأي دون وجود سيوف على رقابنا. نطرح اقتراحات من أجل تطوير عمل الرابطة وننتقد بعضنا البعض ونتناقش في هموم ومشاكل العمل الصحفي في سوريا. نعمل كأسرة واحدة ونخاف على بعضنا البعض من أي مكروه قد يصيب أحدنا وبخاصة صحفيّي الداخل. فقد كتبتُ للزملاء على صفحة الرابطة أنّ الأجهزة الأمنية تلاحقني وطلبت منهم، إن تمّ اعتقالي، أن أبقى في منصبي في الرابطة وقلت أنني لن أتخلى عن قناعتي. عرض علي إثنان من الزملاء أن أختبئ عند عائليتهما، وطلب مني عضو آخر أن أسافر إلى خارج سوريا ووعدني أن يقدم لي كل ما يلزم من دعم في سبيل ألا يتم اعتقالي. وقد لاحظت من خلال حديث الأعضاء معي أنهم حريصون على سلامتي بالرغم من عدم معرفتنا لبعضنا بالمعنى الشخصي.