رأيت سوريا تهدم جدار الخوف

سوريا ليست باستثناء عن الشعوب التي تطالب بالحرية، وليس التأخير إلا لضخامة حاجز الخوف الذي بدأ بالانهيار أمام هتافات شبابنا في 15 آذار 2011، أمام مبنى وزارة الداخلية، ورغم آلة القمع الأمنية التي مورست على المتظاهرين وملأت بهم السجون إلا أن الشباب أكدوا على استمرارهم في ثورتهم في جمعة الكرامة، إذ قدمت مدينة درعا أول شهداء الثورة السورية، وانتفضت معها مدن سورية عدة، وكانت لدمشق العاصمة بصمتها.
الأجساد والدماء قدمت في سبيل كلمة الحرية التي صدحت بها حناجرنا، إذ ردت علينا الأجهزة الأمنية بالضرب والاعتقال وتدنيس المسجد لتنزف الدماء في حرمه على أيدي من رفع شعار “الله وسوريا وبشار وبس” مقابل من رددوا “الله وسوريا وحرية وبس”.
رأيت سوريا تهدم جدار الخوف، وشباباً يطالب بالحرية، وجيلاً يريد التغيير.
وجاءت الإجابة بالهراوات على رؤوسنا، واقتيد ثلاثة شبان من أمامي محاطين بعشرات رجال الأمن إلى أماكن مجهولة.
ولما تمكنت من الخروج، قبل أن يغلقوا بوابة الجامع على من بقى من المتظاهرين، كان المئات من رجال الأمن والشرطة والمخابرات، على مستوى كبير، قد حضروا. حاولت اللحاق ببركب من اقتيدوا، لكن كثرة السيارات السوداء ضللتني، ويبدو أن المقتادين إلى السجون أكثر من الذين رأيناهد يُؤخذون.
أشبعني رد النظام على التظاهرات كرهاً، وحقداً عليه. لم يتعلم النظام بعد أن الممارسات القمعية على الشعوب ليست الوسيلة إلى تهدئتها بل إلى فورانها. وسوريا الآن في طريقها إلى صحوة، في مدنها وبلداتها جميعاً.
رأيت حمص ودير الزور وبانياس وحلب ودرعا التي سقط فيها الشهيد الأول في الثورة السورية، كلها تنتفض من أجل سوريا. ورأيت شباباً قدموا صدورهم من أجل حريتهم، وأطفالاً وشباباً اقتيدوا إلى المعتقلات.
لذلك، لن استطيع البقاء خلف الشاشات، مشاهداً. فالشارع الآن هو الوسيلة لتحقيق المطالب. ستنتشر الثورة كالنار في الهشيم، ولن يتمكن أحد من إعادة الشباب إلى منازلهم قبل تحقق مطالبهم، خصوصاً أن الدماء التي سفكت أصبحت الفاصل بيننا وبين النظام.

ومع ازدياد الدعوات للتظاهر، يزداد القمع، فيُجيّش الرأي العام لمصلحة المتظاهرين. فمن كان من أصدقائي يقف على الحياد، أصبح منضوياً تحت لواء الثورة. ومن كان منهم خائفاً صار هو من يدعو إلى التظاهر.
بدأ حاجز الخوف، الذي بني على مدار عقود، يتهاوى. يقول أحد الأصدقاء أن العمل الآن يجب أن ينصب على توسعة الفجوة في جدار الخوف حتى يسقط. ويبدو أن عملية إسقاط جدار الخوف قد بدأت فعلاً، ومثال على ذلك انفعال أحد سائقي الميكرو باص من الاحتقان عند سماعه نبأ التظاهرات في الجامع الأموي.
سقطت ورقة التوت، وتعرى النظام تماماً من كل أردية المقاومة وقلعة للصمود والتصدي والحربه المزعومة. لا حياد الآن. حان وقت التغيير. وطن واحد يجمعنا بلا استثناء طائفي أو إثني أو حزبي.