دمشق مدينة مقطّعة بالحواجز
رهيف غانم*
ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء المتحدثين حفاظاً على سلامتهم
تبدو مدينة دمشق معزولة عن كل ما يربطها بالحياة، فيما يسارع النظام لتضييق الخناق على السكان، لتصبح هذه المدينة أشبه بصفحة تسلية مملوءة بلعبة الكلمات المتقاطعة في إحدى الصحف اليومية، يصعب على المواطن السوري حلها، فلا أوتوستراد (طريق سريع) يعمل بكامل طاقته، ولا يوجد أي شارع، فرعيٍ كان أو رئيسيٍ، إلا وامتلأ بحواجز قوى الأمن والجيش و”الشبيحة”. يوماً بعد يوم يزداد عدد الحواجز الأمنية المنتشرة على جميع المداخل والطرق المؤدية إلى مركز العاصمة، حواجز تقوم بالتدقيق في جميع البطاقات الشخصية، لمجمل ركاب السيارات الخاصة وحافلات النقل العامة على حد سواء، كما تزداد الحراسة على المباني والوزارات والتي تسد مداخلها حواجز من الإسمنت المسلح.
“الحياة تزداد صعوبة يومياً، فأنا أضطر بحكم عملي إلى نقل بعض المعدات الإلكترونية البسيطة، مثل “الفلاشات” وبعض أجهزة الخلوي التي أبيعها في المحل، وهذا الأمر يعرضني دائماً للتفتيش الدقيق وقد تم إيقافي أكثر من مرة، لعدة ساعات على الحواجز، ريثما يتأكدون أن الأجهزة التي أحملها لا تحتوي على مقاطع فيديو أو صور ضد نظام بشار الأسد”. هذا ما قاله سليم (29 عاماً) عارضاً صعوبة الوصول بشكل منتظم إلى مكان عمله في سوق البحصة للالكترونيات في وسط دمشق، بسبب حواجز الأمن والجيش المنتشرة بكثرة على الطريق الواصل بين قريته كناكر التي تقع جنوب العاصمة وبين قلبها.
مع ازدياد العمليات العسكرية وانتشارها في كافة المناطق السورية تضاعف عدد السكان في دمشق، نتيجة نزوح عدد كبير من سكان الريف وباقي المحافظات إلى مناطق ما زالت تنعم ببعض الأمن، فمدينة حمص ليست المدينة الوحيدة التي يعد “الشبيحة” ورجال الأمن الانتماء إليها تهمة تستحق الإهانة والقتل، فالمناطق الساخنة كلها تحمل التهمة ذاتها مع فوارق في شدة الحقد والانتقام، ما جعل العديد من الشباب يتركون وسيلة النقل قبل الحاجز بمسافة لا بأس بها، ليتجاوزوا الحاجز مشياً على الأقدام، ومن ثم محاولة استقلال وسيلة للنقل مرة أخرى، وذلك لأن المشاة نادراً ما يتم التدقيق في هوياتهم.
“منذ أكثر من خمسة أشهر وأنا أجوب شوارع دمشق مشياً على الأقدام، خوفاً من الاعتقال التعسفي من قبل أ حد الحواجز المنتشرة، فالعناصر الموجودة على الحواجز لا تقبل بجواز السفر أو دفتر العائلة أو رخصة القيادة كوثيقة تثبت الشخصية، فهم لا يقبلون سوى البطاقة الشخصية حصراً”، هذا ما قاله طارق (32 عاماً) وهو نازح من منطقة بابا عمر في مدينة حمص والتي تعد معقلاً أساسياً للمعارضة، ويعمل في منطقة الحلبوني في دمشق، علماً أن البطاقة الشخصية، بخلاف المستندات الثبوتية الأخرى تحمل إشارة إلى المنطقة المحددة التي يتحدر منها الشخص
ويضيف طارق “تم توقيفي أكثر من مرة بسبب بطاقتي الشخصية التي كتب عليها مكان ولادتي ومكان سكني في حمص… وفي كل مرة أنا مضطر لسماع بعض عبارات الإهانة والتخوين من قبل العناصر، بينما يتم التأكد أنني غير متورط بأي أعمال إرهابية وغير مطلوب لأي جهة أمنية، وفي آخر مرة نطقت الشهادة أكثر من مرة بعد أن تم توقيفي وأخذي إلى فرع الأربعين الكائن في منطقة الجسر الأبيض، حيث تم استجوابي لأكثر من ساعتين ثم أطلقوا سراحي بعد أن اكتشفوا نظافة ملفي الأمني. خرجت من هناك غير مصدق أنني مازلت على قيد الحياة وكأنني ولدت من جديد”.
المضايقات الأمنية على الحواجز لا تقتصر على الشباب والنازحين من المناطق الساخنة، بل هي تشمل الجميع حتى النساء والفتيات، وتعاني فتيات دمشق من جنود الحواجز الأمرين، فهنّ يتعرضن لـ “التلطيش” (تحرّش لفظي) وبعض النظرات الخبيثة في معظم الأوقات من قبل العناصر مما يضطرهن للتكتّم على الأمر أمام إخوتهن ورجالهن خوفاً على حياتهم.
“جميع الفتيات يعانين من الأمر نفسه دائماً ولكنهن لا يجرؤن على الشكوى لأحد، لأن ذلك سيجبرهن على المكوث في منازلهن، وعدم السماح لهن الذهاب إلى العمل أو الجامعة أو حتى للتسوق”، تقول أميرة (25 عاماً) التي تسكن في منطقة ركن الدين وتعمل في مجمع تجاري، وتضيف “أضطر للذهاب يومياً إلى المزة حيث أعمل، ما يعني المرور بعدة حواجز لأسمع كل يوم كلمات الغزل من أحد الضباط في أحد تلك الحواجز، لذلك أفكر حالياً بترك عملي خشية أن يتم اختطافي بحجة أنهم يريدون اعتقالي”.
لا تستطيع الحاجة أم عدنان أن تغضب من جميع العناصر، لأنها تضع نفسها مكان أمهاتهم وتقدر خوفهن على أبنائهن الذين يزج بهم في ساحات الحرب ليقاتلوا أبناء شعبهم. وتقول الحاجة أم عدنان “الكثير منهم مجبر على الخدمة العسكرية، والبعض الآخر ضائع بسبب ما قيل له، فهم لا يعلمون أين هي الحقيقة حتى الآن”. وتضيف “على أحد الحواجز اقترب مني جندي ووضع ورقة بيدي مكتوب عليها بضعة أرقام، وقال لي بصوت منخفض: وفقك الله يا خالة، أنا بمثابة ابنك. هذا رقم بيتنا. اتصلي بأمي وطمئنيها إلى أني لا زلت حياً وأني أصبحت في دمشق؛ لا أستطيع أن أتصل بها لأني أخشى أن يظنوني أريد الانشقاق”.
هذا وقد أعلنت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، أن الحواجز الأمنية المحيطة بالعاصمة السورية دمشق تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في دمشق وريفها، كما حمّلت قوات النظام المسؤولية الكاملة في عرقلة وصول المساعدات، وأوضحت المنظمة أن الوضع بات كارثياً، فالفجوة تتسع بين احتياجات السوريين في البقاء على قيد الحياة، والاستجابة الإنسانية على أرض الواقع، مشيرة إلى أن عملياتها الإنسانية في سوريا تعد الأكبر على مستوى العالم، مناشدة جميع الأطراف احترام قواعد الحرب الأساسية، فالواقع الميداني يشير إلى مخالفات مستمرة وأوضاع يائسة، حسبما أفادت “قناة العربية الإخبارية” في أحد تقاريرها.
*رهيف غانم هو اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا