دراستي الجامعية لم تدم طويلاً

معلمة في أحدى مراكز دورات محو الأمية في ريف ادلب-

معلمة في أحدى مراكز دورات محو الأمية في ريف ادلب-

لا زلت أذكر ذلك اليوم جيداً. انتظرت قدوم والدي بالدقيقة والثانية يوم ذهب ليقدم لي طلب التحاق بجامعة البعث، في محافظة حماة. كان أحد أيام شهر أيلول/ سبتمبر عام 2011. وتحقق حلمي وتسجلت كطالبة في الجامعة، بعد جهود كبيرة. أبلغني والدي لكي أحضر نفسي للذهاب قريباً إلى جامعتي، كانت سعادتي في ذلك الوقت لا توصف.

في صباح اليوم الموعود لبدء الدراسة، استيقظت باكراً وأحكمت نفسي جيداً، وفي أثناء السفر مررنا على نقاط عسكرية متعددة. وعند أول نقطة عسكرية لدخول مدينة حماة، كان هناك طابور كبير من السيارات أمامنا، حيث يوجد حاجز تفتيش ضخم، انتظرنا حوالي أكثر من نصف ساعة إلى أن أتى دورنا.

وعندما وصلنا ساحة العاصي الرئيسية في منتصف المدينة، كان عساكر النظام على رصيف الشارع جالسين وراء أكياس بيضاء مليئة بالرمل لأجل حمايتهم من أي حادث.

عندما اقتربنا من الجامعة سمعنا صوتاً قوياً ومرعباً جداً. وإذ بها طائرة حربية من نوع ميغ كما عرفنا. ارتعبنا لدرجة لا يصفها الكلام. وكان ذلك في الساعة التاسعة صباحاً بتاريخ 10 تشرين الأول 2011.

وبعد أن حضرت محاضراتي الثلاث لذلك اليوم، ذهبت بعدها إلى قاعة زميلتي فاطمة، انتظرتها حتى انتهت من محاضرتها، وخرجنا سوية إلى المنزل الذي سبق واستأجرناه من أحد الأهالي هناك. لم تكن الشوارع مليئة بالناس. ولم تخل من المارة بين الحين والأخر. بعد المسير لعدّة دقائق كنّا قد اقتربنا من منزلنا الواقع في منطقة مشاع جنوب الملعب. فجأة سمعنا أصوات الرصاص فوق رؤوسنا ورائحة البارود انتشرت من حولنا. كان حينها وقت حلول الظلام، بدأت بالركض مسرعة أنا وصديقتي حتى نصل الى شجرة السرو التي تبعد حوالي خمسة عشر متراً لكي نختبأ خلفها. بقينا هناك لبعض الوقت حتى توقفت الاشتباكات.

في تلك الليلة جميع المحلات أغلقت أبوابها وبدأ الظلام يشتدّ. وتابعنا بعدها المسير بسرعة، حتى وصلنا البناء السكني حيث لم يكن له بوابة في ذلك الوقت. وإذا بسيارة مغلقة يطلق من فيها رصاص في الهواء. اختبأنا تحت قلبة الدرج، ورحت أنظر إلى وجه صديقتي الشاحب، من شدّة الخوف والهلع الذي ألحق بنا. الاشتباكات التي حصلت كنا لأول مرة نشهدها، بالإضافة  لوجودنا في مدينة لا نعرف أهلها وشوارعها وأماكنها. أحسست بالغربة مع إني داخل وطني.

بعد أن هدأ الوضع صعدنا الدرج بسرعة لندخل إلى منزلنا الذي يعج بالظلام. بفعل الاشتباكات كانت الكهرباء قد انقطعت، فكانت ليلتنا مظلمة حالكة مليئة بالخوف والهلع والرعب. ولم يكن يوجد في المنزل أي طعا في المنزل نتناوله، فاضطررنا لتناول الخبز المجفف والزعتر. أمضينا ليلة سوداء، فسواد هذه الليلة لم يتمكن من محو غبش المجهول.

لم أستطع أن أتواصل مع والدتي لتطمئن عليّ وهذا ما أوصتني به قبل أن أغادر محافظة إدلب. ويعود ذلك لسوء الوضع الأمني. مررنا بيوم سيء جداً، ترك أثره في نفسيتي إلى يومنا هذا.

اشتد الخطر في ذلك الحي الذي كنا نقطنه، فكان قراري أنا وزميلتي التخلي عن حلمنا بالدراسة الجامعية والعودة إلى القرية. وفي صباح اليوم التالي سلكت أنا وصديقتي ذات الطريق التي حدثت فيها الاشتباكات. كنّا نلتفت إلى الأمام والخلف، نظراتنا مليئة بالخوف من المجهول، وبالحزن على عدم متابعة دراستنا الجامعية، تابعنا طريقنا إلى أن وصلنا إلى محطة النقل المعروفة بالكراجات، وعدنا إلى مدينة إدلب.

حياتنا في جميع المحافظات السورية مجرد حياة، لا تخلو من الخوف والقلق والرعب والألم، حياة يهددها الموت.

كانت هذه زيارتي الأولى لجامعتي في مدينة حماة، وبمثابة أول خطوة لتحقيق حلمي بالدراسة الجامعية ومن ثم الحصول على الشهادة، ولكن سرعان ما تلاشى ذلك الحلم وتحول إلى سراب، فكانت الزيارة الأولى والأخيرة.

مريم العبدالله (23 عاماً) تعمل في مجال الاذاعي والاخباري. تركت دراسة الادب العربي في جامعة حماة بسبب المعارك. متزوجة ام لولدين وتعيش في ريف إدلب حاليا.