خطاب الأسد تسويف متكرر وفلسفة مهترئة
مسعود عكو
من على مدرج جامعة دمشق، ومتوسطاً ثلاثة أعلام سورية على يمينه وثلاثة أعلام على يساره، وفي غياب علم حزب البعث من خلفه، خطب الرئيس السوري بشار الأسد ثالثاً في خضم الأزمة التي تمر بها البلاد منذ أكثر من ثلاثة أشهر. الأسد خطب خطاباً تخلله ثماني عشرة مرة تصفيقاً من الحضور، وضرب يده بالميكروفون الذي أمامه مرة واحدة، وبدأ يسعل أكثر من مرة، وضحك مرتين فقط.
لم يقدم الأسد جديداً في خطابه، هذا هو العنوان الوحيد لقراءة الخطاب الثالث للرئيس السوري. خطابٌ كان مليئاً بالتسويف المستقبلي لكل الإصلاحات المزمع تنفيذها في البلاد، وكرر الأسد ما يقولونه شبيحة الإعلام الرسمي السوري الذين يخرجون على وسائل الإعلام العربية والعالمية، معيداً ما قاله عن قضية المؤامرة والفبركة والتزوير في الفيديوهات وتصديق الأسد لروية تلفزيون الدنيا والقنوات الرسمية.
يكرر الأسد بأن كل الفيديوهات التي تنشر صور الشهداء وهم يقتلون بدم بارد، برصاصات رجال أمنه وجنوده وشبيحته، هو محض افتراء وكذب، ولا توجد سوى مؤامرة تحاط بسوريا وتستهدف مواقفها السياسي، وإن هذه الفيديوهات هي مفبركة ودفع لممثليها أثمان لتصويرها ولاستغلالها ضده وضد بلاده.
استرسل الأسد في حديثه بصيغة التسويف والمستقبلية في الإصلاحات، ولم يقل قط فعل أمرٍ باعتباره الآمر الناهي في البلاد. كان حرياً به أن يقول بصفتي رئيس الجمهورية أو القائد العام للقوات المسلحة، آمر أو أعلن، أو أطلب، أو أي فعل أمرٍ يبين جدية العمل الإصلاحي. وعندما لا يعلم الأسد متى تعود قوات الجيش إلى ثكناته فإن ذلك لدليل قاطع على عدم معرفته الحقة بما يجري على أرض الواقع، بل هو مجرد شخص يوقع على أمر ما فقط.
تكلم الأسد بفلسفة مهترئة ومتكررة عن قضية الحوار الوطني، ويحتاج المرء إلى ساعات لفك طلاسم الحديث عن الحوار وقانون الأحزاب والانتخابات والإعلام والتعديلات الدستورية. الأسد يريد دستوراً جديداً أو تعديل الحالي بما فيها المادة الثامنة التي تفيد بأن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع، وكان مبهماً حديثه عن التعديلات والقوانين الجديدة، فهل يقوم بذلك قبل الانتخابات النيابية في آب أغسطس القادم، أم ينتظر برلماناً جديداً، أم البرلمان يجب أن ينتظر حتى تتفرغ هيئة الحوار من أعمالها، أم ننتظر كل ذلك، كل ذلك فلسفة معقدة جداً لا يعرف تفسيرها حتى الأسد نفسه.
الأسد أشار إلى أن الحركة الاحتجاجية هي شرائح ثلاث، وقسم الشعب السوري على أنه فئة محتاجة لتخفيض سعر المازوت الديزل وأسعار مواد البناء، وكانت هذه جل مطالب الوفود الشعبية التي قابلت سيادته في الفترة الأخيرة، كما أن الأسد قال أن الوفود جاءت لتطمئن وتنفي الشائعات عنه وعن عائلته، وهذا يعني أنه اكترث كثيراً بتلك الشائعات التي صدرت مؤخراً عنه وعن تولي شقيقه ماهر الأسد ملف الحل العسكري العنيف على كافة أشكال الاحتجاج.
الأسد قال أن هناك 64 ألفاً من الخارجين على القانون، في بلد عسكري أمني فيه أكثر من سبعة عشر فرعاً أمنياً، هؤلاء يستغلون التظاهرات للنيل من الدولة ومؤسساتها، وهم ثلة كبيرة كان الأسد مستغرباً من عددهم.
أما الفئة الثالثة ووصفها بالمتطرفين والإرهابيين وأنهم مسلحون بسيارات دفع رباعية وحوامات وأسلحة متطورة وأجهزة اتصال فائقة الدقة والتطور، إضافة إلى محاولة هذه المجموعات السيطرة التساؤل الذي غاب عن ذهن الأسد وعن ذهن كاتب الخطاب أنه كيف يمكن لهؤلاء “الإرهابيين” من الانتشار على الجغرافية السورية. أين كانت الدولة بمؤسساتها الأمنية والعسكرية طول فترة حكم الأسد الابن؟ ولما سمح لكل هؤلاء الخارجين على القانون والإرهابيين من الدخول والتعشعش في البلاد؟
لم يتقدم الأسد بجديد أبداً، وما طلبه من المهجرين بالعودة إلا كلام خاوٍ، فيه رسالة إلى الخارج يريد أن يعلمه دروساً لا أن يتعلم منها، كما أن كل وعوده بالإصلاح أصبحت جوفاء، تتكرر في خطاباته الفلسفية المهترئة بصيغة التسويف والمستقبلية نافياً نفياً قاطعاً أي نية لديه أو لنظامه بالإصلاح. خطاب متكرر يقرب موعد رحيله يوماً بعد آخر.
مسعود عكو
من على مدرج جامعة دمشق، ومتوسطاً ثلاثة أعلام سورية على يمينه وثلاثة أعلام على يساره، وفي غياب علم حزب البعث من خلفه، خطب الرئيس السوري بشار الأسد ثالثاً في خضم الأزمة التي تمر بها البلاد منذ أكثر من ثلاثة أشهر. الأسد خطب خطاباً تخلله ثماني عشرة مرة تصفيقاً من الحضور، وضرب يده بالميكروفون الذي أمامه مرة واحدة، وبدأ يسعل أكثر من مرة، وضحك مرتين فقط.
لم يقدم الأسد جديداً في خطابه، هذا هو العنوان الوحيد لقراءة الخطاب الثالث للرئيس السوري. خطابٌ كان مليئاً بالتسويف المستقبلي لكل الإصلاحات المزمع تنفيذها في البلاد، وكرر الأسد ما يقولونه شبيحة الإعلام الرسمي السوري الذين يخرجون على وسائل الإعلام العربية والعالمية، معيداً ما قاله عن قضية المؤامرة والفبركة والتزوير في الفيديوهات وتصديق الأسد لروية تلفزيون الدنيا والقنوات الرسمية.
يكرر الأسد بأن كل الفيديوهات التي تنشر صور الشهداء وهم يقتلون بدم بارد، برصاصات رجال أمنه وجنوده وشبيحته، هو محض افتراء وكذب، ولا توجد سوى مؤامرة تحاط بسوريا وتستهدف مواقفها السياسي، وإن هذه الفيديوهات هي مفبركة ودفع لممثليها أثمان لتصويرها ولاستغلالها ضده وضد بلاده.
استرسل الأسد في حديثه بصيغة التسويف والمستقبلية في الإصلاحات، ولم يقل قط فعل أمرٍ باعتباره الآمر الناهي في البلاد. كان حرياً به أن يقول بصفتي رئيس الجمهورية أو القائد العام للقوات المسلحة، آمر أو أعلن، أو أطلب، أو أي فعل أمرٍ يبين جدية العمل الإصلاحي. وعندما لا يعلم الأسد متى تعود قوات الجيش إلى ثكناته فإن ذلك لدليل قاطع على عدم معرفته الحقة بما يجري على أرض الواقع، بل هو مجرد شخص يوقع على أمر ما فقط.
تكلم الأسد بفلسفة مهترئة ومتكررة عن قضية الحوار الوطني، ويحتاج المرء إلى ساعات لفك طلاسم الحديث عن الحوار وقانون الأحزاب والانتخابات والإعلام والتعديلات الدستورية. الأسد يريد دستوراً جديداً أو تعديل الحالي بما فيها المادة الثامنة التي تفيد بأن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع، وكان مبهماً حديثه عن التعديلات والقوانين الجديدة، فهل يقوم بذلك قبل الانتخابات النيابية في آب أغسطس القادم، أم ينتظر برلماناً جديداً، أم البرلمان يجب أن ينتظر حتى تتفرغ هيئة الحوار من أعمالها، أم ننتظر كل ذلك، كل ذلك فلسفة معقدة جداً لا يعرف تفسيرها حتى الأسد نفسه.
الأسد أشار إلى أن الحركة الاحتجاجية هي شرائح ثلاث، وقسم الشعب السوري على أنه فئة محتاجة لتخفيض سعر المازوت الديزل وأسعار مواد البناء، وكانت هذه جل مطالب الوفود الشعبية التي قابلت سيادته في الفترة الأخيرة، كما أن الأسد قال أن الوفود جاءت لتطمئن وتنفي الشائعات عنه وعن عائلته، وهذا يعني أنه اكترث كثيراً بتلك الشائعات التي صدرت مؤخراً عنه وعن تولي شقيقه ماهر الأسد ملف الحل العسكري العنيف على كافة أشكال الاحتجاج.
الأسد قال أن هناك 64 ألفاً من الخارجين على القانون، في بلد عسكري أمني فيه أكثر من سبعة عشر فرعاً أمنياً، هؤلاء يستغلون التظاهرات للنيل من الدولة ومؤسساتها، وهم ثلة كبيرة كان الأسد مستغرباً من عددهم.
أما الفئة الثالثة ووصفها بالمتطرفين والإرهابيين وأنهم مسلحون بسيارات دفع رباعية وحوامات وأسلحة متطورة وأجهزة اتصال فائقة الدقة والتطور، إضافة إلى محاولة هذه المجموعات السيطرة التساؤل الذي غاب عن ذهن الأسد وعن ذهن كاتب الخطاب أنه كيف يمكن لهؤلاء “الإرهابيين” من الانتشار على الجغرافية السورية. أين كانت الدولة بمؤسساتها الأمنية والعسكرية طول فترة حكم الأسد الابن؟ ولما سمح لكل هؤلاء الخارجين على القانون والإرهابيين من الدخول والتعشعش في البلاد؟
لم يتقدم الأسد بجديد أبداً، وما طلبه من المهجرين بالعودة إلا كلام خاوٍ، فيه رسالة إلى الخارج يريد أن يعلمه دروساً لا أن يتعلم منها، كما أن كل وعوده بالإصلاح أصبحت جوفاء، تتكرر في خطاباته الفلسفية المهترئة بصيغة التسويف والمستقبلية نافياً نفياً قاطعاً أي نية لديه أو لنظامه بالإصلاح. خطاب متكرر يقرب موعد رحيله يوماً بعد آخر.