خسر عائلته في سوريا ولم يجد أخاه في تركيا
: رجل مسن سوري يجلس على حافة احد الأرصفة في شوارع مدينة درعا في جنوب سوريا
"جاء جارنا وأبلغني بعد أن هدّأ من روعي، أن طائرة ألقت صواريخها على المنزل، وأن جميع أفراد عائلتي انتقلوا إلى جوار ربهم. "
كنا في المنزل أنا وأختي وأمي في أحد الأيام، وكنت في تلك الفترة أبحث عن فرصة عمل. عند وصول أخي إلى البيت أخي عائداً من عمله، كان يحمل الخبر السار. جاء مبشراً بأنه وجد فرصة عمل لي في أحد دور الأيتام. طبعا أنا وافقت ودون تردد.
كانت طبيعة العمل في البداية تقتصر على العناية بالأطفال. ثم بدأت بالتطور للتدريس والمتابعة بالمدرسة. كنت أعمل في دار الايتام هذه أنا و4 نساء أخريات نهاراً و 3 يعملن ليلاً، لان آلية عمل دار الأيتام كانت تقوم على رعاية الأطفال بشكل كامل. وتتضمن المنامة لهم.
الدار كانت عبارة عن بناء مؤلف من 3 طوابق. الطابق الأول يختص بالدعم النفسي للأطفال، حيث كان مجهز بشكل كامل بكل مايحتاجه الطفل. وكان يعمل فيه مرشدون نفسيون مختصون بهذه الأمور. كان تجهيز الطابق الأول يذهل كل من يراه من أطفال وكبار. كان كل شيء فيه ملفت للانتباه بألوان زاهية رائعة .
أما الطابق الثاني فقد كان يضم قسم الإدارة والتلفزيون وغرف الدراسة، وغرفة مخصصة لأجهزة الكمبيوتر كانت تحتوي على 4 أجهزة من أجل لعب الأطفال وتعليمهم . كان الأطفال يدخلون إلى هذه الغرفة بالتناوب.
بالإضافة إلى أن هذا القسم كان يضم المطبخ. لم يكن كبيراً بما يكفي، لكنه كان يفي بالغرض. حيث كانت تعمل فيه 3 طباخات ماهرات، يقمن بإعداد الطعام لما يقارب 50 طفلاً و8 معلمين، بالإضافة لقسم الإدارة.
في أحد الايام طُلب منّا أن نعدّ تقريراً عن حياة أحد الأطفال الموجودين في الميتم. كل شخص اختار طفلاً، أنا وقع اختياري على طفل كان قد جاء حديثاً إلى الدار عن طريق رجل تركي، كان قد وجده في أحد شوارع انطاكيا وهو يتسول …
وإليكم قصة الطفل مصطفى (10 أعوام) وهو من أحد الاحياء الفقيرة في حلب. كان مصطفى شديد الانعزال، قليل الكلام والحركة. ليس مثل بقية أقرانه أبداً.
سألته فبدأ يسرد قصته: “أنا من حلب، كنا نعيش أنا وأمي وأبي وأخي الكبير وإخوتي الصغار. كنت أعمل في محل لبيع الشاورما في حارة قريبة من حارتنا لأساعد أهلي. أخي الكبير ترك البيت متجهاً إلى تركيا بحثاً عن عمل. كنت أذهب إلى عملي يومياً عند الساعة الـ 11 وأعود عند الساعة الـ 9.
ذات يوم كنت في عملي سمعت صوت انفجارات بقيت في عملي حتى انتهاء الدوام. عدت إلى المنزل فلم أجده. كانت العتمة في كل مكان والمنزل مدمر. لم أجد عائلتي وبدأت بالصراخ والبكاء، حتى جاء جارنا وأبلغني بعد أن هدّأ من روعي، أن طائرة ألقت صواريخها على المنزل، وأن جميع أفراد عائلتي انتقلوا إلى جوار ربهم.
حين سمعت هذا الخبر انفجرت بالبكاء وبدأت بالصراخ: أريد أمي. أريد أبي. أريد إخوتي. أريد أهلي. استضافني جارنا في منزله حتى الصباح، ولم أنم ليلتها ولم أترك أحداً ينام. كانت الصدمة أكبر من أن أحتملها.
صباحاً عدت إلى المحل حيث أصبحت أنام فيه أيضاً، وبقيت على هذه نحو أسبوع، أبلغت بعدها صاحب المحل أنني سأذهب إلى تركيا بحثاً عن أخي، الذي لم يبق لي سواه في هذه الدنيا. لم يأذن لي صاحب المحل بالسفر، أزعجني الأمر بداية، ولكن لاحقاً عندما أتى وأخبرني أنه وجد شخصاً يعرفه ذاهبا إلى تركيا وأنه كان يريد الإطمئنان علي لصعوبة الرحلة.
أعطاني صاحب المحل أجرتي وانطلقت إلى تركيا. ذهبت مع الشاب إلى قرية في إدلب ومنها إلى سرمدا، هناك أخبرني الشاب أنه سيتسلل عبر الحدود خلسة إلى الداخل التركي، وأنه يخشى من تعريضي للخطر. تركني هناك حيث لا أعرف أحداً. وبدأت أتجول في القرية.
وجدت في سرمدا محلا لبيع الشاورما، سألت صاحبه إن كان بحاجة لموظف. وأبلغته أنني كنت أعمل في مجل شاورما وقصصت عليه مأساتي ورغبتي بالذهاب إلى تركيا للقاء أخي. وافق على تشغيلي حتى تسنح لي الفرصة لدخول تركيا. وصرت أعمل في المحل وأنام فيه.
بقيت أعمل هناك لفترة شهر تقريباً، حين سمعت عن مجموعة وصلت إلى المدينة وتعتزم الدخول إلى تركيا. كانت المجموعة تضم نساء وأطفالاً. قلت لصاحب المحل هذه فرصتي. وشكرته على ما قام به تجاهي. نبهني الرجل إلى أن المهرب سيطلب مبلغاً كبيراً. وهوما حصل فعلاً.
ولكنني كنت في حالة يائسة وبدأت بتوسل الرجل السماح لي بالعبور مع المجموعة وقلت له أنني سأساعد بحمل الأمتعة وسأدفع كل ما معي. وتحقق لي ما أردت. حملت فوق استطاعتي، وعبرنا إلى تركيا. لم تكن رحلة سهلة ولكننا عبرنا وصولاً إلى أنطاكيا.
وفي أنطاكيا تركت المجموعة وانطلقت بحثا عن أخي. التقيت هناك بسوريين يبيعون المحارك الورقيةـ وبعد الحوار والسؤال عرضوا علي أن أعمل معهم. وهكذا بدأت بالعمل، لأجني ما يقيتني وما يساعدني في رحلة بحثي عن أخي. واستمريت على هذه الحال حتى وجدني رجل مسن وأحضرني إلى هنا.
لا أريد البقاء في هذه الدار، أريد أن أجد أخي.صحيح أنني لا أعرف أين هو ولا في أي مدينة ولكن يجب أن أستمر بالبحث. عندما جئت إلى هنا لم أكن أعلم ان المر سيكون صعبا لهذه الدرجة. إنها بلاد كبيرة جداً. لا بد أن أجد من يعرف أخي ويقودني إليه “.
بعد فترة من كتابة التقرير عنه، هرب مصطفى من الدار مع ولدين آخرين. عند العثور عليهم قبل الولدان بالعودة أمّا مصطفى فرفض وقال لمن حاولوا إرجاعه: أنا لم أحضر إلى هنا لأعيش في دار للأيتام، بل جئت بحثاً عن أخي، وسأستمر بالبحث عنه”.
ومضى في طريقه في رحلة بحثه عن أخيه …
بلقيس عمار (24 عاماً) من ريف حماة الشمالي تقيم في تركيا متزوجة وتبحث عن عمل.